الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } * { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } * { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } * { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } * { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } * { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } * { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } * { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } * { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } * { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } * { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } * { وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } * { وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } * { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } * { ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } * { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ }

بيان دعاء على الانسان وتعجيب من مبالغته في الكفر بربوبيَّة ربه وإشارة إلى أمره حدوثاً وبقاءً فإنه لا يملك لنفسه شيئاً من خلق وتدبير بل الله سبحانه هو الذي خلقه من نطفة مهينة فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره فهو سبحانه ربه الخالق له المدبر لأمره مطلقاً وهو في مدى وجوده لا يقضي ما أمره به ربه ولا يهتدي بهداه. ولو نظر الإِنسان إلى طعامه فقط وهو مظهر واحد من مظاهر تدبيره وغرفة من بحار رحمته رأى من وسيع التدبير ولطيف الصنع ما يبهر عقله ويدهش لبه ووراء ذلك نعم لا تعد - وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها -. فستره تدبير ربه وتركه شكر نعمته عجيب وإن الانسان لظلوم كفار وسيرون تبعة شكرهم وكفرهم من السرور والاستبشار أو الكآبة وسواد الوجه. والآيات - كما ترى - لا تأبى الاتصال بما قبلها سياقاً واحداً وإن قال بعضهم أنها نزلت لسبب آخر كما سيجيء. قوله تعالى { قتل الإِنسان ما أكفره } دعاء على الإِنسان لما أنّ في طبعه التوغل في اتباع الهوى ونسيان ربوبية ربه والاستكبار عن اتباع أوامره. وقوله { ما أكفره } تعجيب من مبالغة في الكفر وستر الحق الصريح وهو يرى أنه مدبر بتدبير الله لا يملك شيئاً من تدبير أمره غيره تعالى. فالمراد بالكفر مطلق ستر الحق وينطبق على إنكار الربوبية وترك العبادة ويؤيده ما في ذيل الآية من الاشارة إلى جهات من التدبير الربوبي المتناسبة مع الكفر بمعنى ستر الحق وترك العبادة، وقد فسر بعضهم الكفر بترك الشكر وكفران النعمة وهو وإن كان معنى صحيحاً في نفسه لكن الأنسب بالنظر إلى السياق هو المعنى المتقدم. قال في الكشاف { قتل الإِنسان } دعاء عليه وهي من أشنع دعواتهم لأن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها و { ما أكفره } تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله ولا ترى أسلوباً أغلظ منه، ولا أخشن مساً، ولا أدل على سخط، ولا أبعد شوطاً في المذمة مع تقارب طرفيه، ولا أجمع للأئمة على قصر متنه، انتهى. وقيل جملة { ما أكفره } استفهامية والمعنى ما هو الذي جعله كافراً، والوجه المتقدم أبلغ. قوله تعالى { من أي شيء خلقه } معناه على ما يعطيه المقام من أي شيء خلق الله الإِنسان حتى يحق له أن يطغى ويستكبر عن الإِيمان والطاعة، وحذف فاعل قوله { خلقه } وما بعده من الأفعال للإِشعار بظهوره فمن المعلوم بالفطرة - وقد اعترف به المشركون - أن لا خالق إلا الله تعالى. والاستفهام بداعي تأكيد ما في قوله { ما أكفره } من العجب - والعجب إنما هو في الحوادث التي لا يظهر لها سبب - فأفيد أولاً أن من العجب إفراط الإِنسان في كفره ثم سئل ثانياً هل في خلقته إذ خلقه الله ما يوجب له الإِفراط في الكفر فأجيب بنفيه وأن لا حجة له يحتج بها ولا عذر يعتذر به فإنه مخلوق من ماء مهين لا يملك شيئاً من خلقته ولا من تدبير أمره في حياته ومماته ونشره، وبالجملة الاستفهام توطئة للجواب الذي في قوله { من نطفة خلقه } الخ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6