الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } * { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

بيان الآيات تختم السورة، ويرجع معناها نوع رجوع إلى ما افتتحت به السورة وفيها إيجاب الموالاة بين المؤمنين إلا إذا اختلفوا بالمهاجرة وعدمها وقطع موالاة الكافرين. قوله تعالى { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا } إلى قوله { أولياء بعض } المراد بالذين آمنوا وهاجروا الطائفة الأولى من المهاجرين قبل نزول السورة بدليل ما سيذكر من المهاجرين في آخر الآيات، والمراد بالذين آووا ونصروا هم الأنصار الذين آووا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين المهاجرين ونصروا الله ورسوله، وكان ينحصر المسلمون يومئذ في هاتين الطائفتين إلا قليل ممن آمن بمكة ولم يهاجر. وقد جعل الله بينهم ولاية بقوله { أولئك بعضهم أولياء بعض } والولاية أعمّ من ولاية الميراث وولاية النصرة ولاية الأمن، فمن آمن منهم كافراً كان نافذاً عند الجميع فالبعض من الجميع وليّ البعض من الجميع كالمهاجر هو ولي كل مهاجر وأنصاري، والأنصاري ولي كل أنصاري ومهاجر، كل ذلك بدليل إطلاق الولاية في الآية. فلا شاهد على صرف الآية إلى ولاية الإِرث بالمواخاة التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعلها في بدء الهجرة بين المهاجرين والأنصار وكانوا يتوارثون بها زماناً حتى نسخت. قوله تعالى { والذين آمنوا ولم يهاجروا } إلى آخر الآية، معناه واضح وقد نفيت فيها الولاية بين المؤمنين المهاجرين والأنصار وبين المؤمنين غير المهاجرين إلا ولاية النصرة إذا استنصروهم بشرط أن يكون الاستنصار على قوم ليس بينهم وبين المؤمنين ميثاق. قوله تعالى { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } أي إن ولايتهم بينهم لا تتعداهم إلى المؤمنين فليس للمؤمنين أن يتولوهم، وذلك أن قوله ها هنا في الكفار { بعضهم أولياء بعض } كقوله في المؤمنين { أُولئك بعضهم أولياء بعض } إنشاء وتشريع في صورة الإِخبار، وجعل الولاية بين الكفار أنفسهم لا يحتمل بحسب الاعتبار إلا ما ذكرناه من نفي تعديه عنهم إلى المؤمنين. قوله تعالى { إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبيرٌ } إشارة إلى مصلحة جعل الولاية على النحو الذي جعلت، فإن الولاية مما لا غنى عنها في مجتمع من المجتمعات البشرية سيما المجتمع الإِسلامي الذي أُسس على اتباع الحق وبسط العدل الإِلهي كما أن تولي الكفار وهم أعداء هذا المجتمع يوجب الاختلاط بينهم فيسري فيه عقائدهم وأخلاقهم، وتفسد سيرة الإِسلام المبنية على الحق بسيرهم المبنية على اتباع الهوى وعبادة الشيطان، وقد صدّق جريان الحوادث في هذه الآونة ما أشارت إليه هذه الآية. قوله تعالى { والذين آمنوا وهاجروا } إلى آخر الآية إثبات لحق الإِيمان على من اتصف بآثاره اتصافاً حقاً، ووعد لهم بالمغفرة والرزق الكريم. قوله تعالى { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم } خطاب للمهاجرين الأولين والأنصار وإلحاق من آمن وهاجر وجاهد معهم بهم فيشاركونهم في الولاية.

السابقالتالي
2