الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

بيان عتاب من الله سبحانه لأهل بدر حين أخذوا الأسرى من المشركين ثم اقترحوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يقتلهم ويأخذ منهم الفداء ليصلح به حالهم ويتقووا بذلك على أعداء الدين، وقد شدد سبحانه في العتاب إلا أنه أجابهم إلى مقترحهم وأباح لهم التصرف من الغنائم. وهي تشتمل الفداء. وفي آخر الآيات ما هو بمنزلة التطميع والوعد الجميل للاسرى إن أسلموا والاستغناء عنهم إن أرادوا خيانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قوله تعالى { وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إلى آخر الآيات الثلاث، الأسر الشد على المحارب بما يصير به في قبضة الآخذ له كما قيل والأسير هو المشدود عليه، وجمعه الأسرى والأَسراء والأسارى والأساري، وقيل الأسارى جمع جمع وعلى هذا فالسبي أعم موردا من الأسر لصدقه على أخذ من لا يحتاج إلى شد كالذراري. والثخن بالكسر فالفتح الغلظ، ومنه قولهم أثخنته الجراح وأثخنه المرض قال الراغب في المفردات يقال ثخن الشيء فهو ثخين إذا غلظ فلم يسل ولم يستمر في ذهابه، ومنه استعير قولهم أثخنته ضرباً واستخفافاً قال الله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } { حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق } فالمراد بإثخان النبي في الأرض استقرار دينه بين الناس كأنه شيء غليظ انجمد فثبت، بعدما كان رقيقاً سائلاً مخشي الزوال بالسيلان. والعرض ما يطرأ على الشيء ويسرع فيه الزوال، ولذلك سمي به متاع الدنيا لدثوره وزواله عما قليل، والحلال وصف من الحل مقابل العقد والحرمة كأن الشيء الحلال كان معقوداً عليه محروماً منه فحل بعد ذلك وقد مر معنى الطيب وهو الملائمة للطبع. وقد اختلف المفسرون في تفسير الآيات بعد اتفاقهم على أنها إنما نزلت بعد وقعة بدر تعاتب أهل بدر وتبيح لهم الغنائم. والسبب في اختلاف ما ورد في سبب نزولها ومعاني جملها من الأخبار المختلفة، ولو صحت الروايات لكان التأمل فيها قاضياً بتوسُّع عجيب في نقل الحديث بالمعنى حتى ربما اختلفت الروايات كالأخبار المتعارضة. فاختلفت التفاسير بحسب اختلافها فمن ظاهر في أن العتاب والتهديد متوجّه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين جميعاً، أو إلى النبي والمؤمنين ما عدا عمر، أو ما عدا عمر وسعد بن معاذ، أو إلى المؤمنين دون النبي أو إلى شخص أو أشخاص أشاروا إليه بالفداء بعدما استشارهم. ومن قال إن العتاب إنما هو على أخذهم الفداء، أو على استحلالهم الغنيمة قبل الإِباحة من جانب الله، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يشاركهم في ذلك لما أنه بدأ باستشارتهم مع أن القوم إنما أخذوا الفداء بعد نزول الآيات لا قبله حتى يعاتبوا عليه، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أجلّ من أن يجوز في حقه استحلال شيء قبل أن يأذن الله له فيه ويوحي بذلك إليه، وحاشا ساحة الحق سبحانه أن يهدد نبيه بعذاب عظيم ليس من شأنه أن ينزل عليه من غير جرم أجرمه وقد عصمه من المعاصي، والعذاب العظيم ليس ينزل إلا على جرم عظيم لا كما قيل إن المراد به الصغائر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6