الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } * { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

بيان الآيات في سياق الآيات السابقة وهي متصلة بها ومنعطفة على آيات أول السورة إلا قوله { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق } الآية والآية التي تليها، فإن ظهور اتصالها دون بقية الآيات، وسيجيء الكلام فيها إن شاء الله تعالى. قوله تعالى { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك } إلى آخر الآية، قال الراغب المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة، وذلك ضربان ضرب محمود وذلك أن يتحرى به فعل جميل وعلى ذلك قال والله خير الماكرين، ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح قال ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله. وإذ يمكر بك الذين كفروا. فانظر كيف كان عاقبة مكرهم، وقال في الأمرين ومكروا مكراً ومكرنا مكراً، وقال بعضهم من مكر الله امهال العبد وتمكينه من اعراض الدنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه من وُسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله. انتهى. وفي المجمع الإِثبات الحبس يقال رماه فأثبته أي حبسه مكانه، وأثبته في الحرب أي جرحه جراحة مثقلة. انتهى. ومقتضى سياق الآيات أن يكون قوله { وإذ يمكر بك الذين كفروا } الآية معطوفة على قوله سابقاً { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } فالآية مسوقة لبيان ما اسبغ الله عليهم من نعمته، وأيدهم به من أياديه التي لم يكن لهم فيها صنع. ومعنى الآية واذكر أو وليذكروا إذ يمكر بك الذين كفروا من قريش لإِبطال دعوتك أن يوقعوا بك أحد أُمور ثلاثة إما أن يحبسوك وإما أن يقتلوك وإما أن يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. والترديد في الآية بين الحبس والقتل والإِخراج بياناً لما كانوا يمكرونه من مكر يدل أنه كان منهم شورى يشاور فيها بعضهم بعضاً في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما كان يهمهم ويهتمون به من إطفاء نور دعوته، وبذلك يتأيد ما ورد من أسباب النزول أن الآية تشير إلى قصة دار الندوة على ما سيجيء في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى. قوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا } إلى آخر الآية الأساطير الأحاديث جمع أُسطورة ويغلب في الأخبار الخرافية، وقوله حكاية عنهم { قد سمعنا } وقوله { لو نشاء لقلنا } وقوله { مثل هذا } ولم يقل مثل هذه أو مثلها كل ذلك للدلالة على إهانتهم بآيات الله وإزرائهم بمقام الرسالة، ونظيرها قولهم { إن هذا إلا أساطير الأولين }. والمعنى وإذا تتلى عليهم آياتنا التي لا ريب في دلالتها على أنها من عندنا وهي تكشف عن ما نريده منهم من الدين الحق لجّوا واعتدوا بها وهونوا أمرها وأزروا برسالتنا وقالوا قد سمعنا وعقلنا هذا الذي تلي علينا لا حقيقة له إلا أنه من أساطير الأولين، ولو نشاء لقلنا مثله غير أنّا لا نعتني به ولا نهتم بأمثال هذه الأحاديث الخرافية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد