الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ } * { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ } * { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } * { فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } * { إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ } * { فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً } * { أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً } * { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } * { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } * { لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ } * { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } * { كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } * { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ } * { فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ } * { وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ } * { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }

بيان حجج دالّة على توحد الربوبية تقضي بوجود يوم الفصل الذي فيه جزاء المكذبين به، وإشارة إلى ما فيه من الجزاء المعد لهم الذي كانوا يكذبون به، وإلى ما فيه من النعمة والكرامة للمتقين، وتختتم بتوبيخهم وذمهم على استكبارهم عن عبادته تعالى والإِيمان بكلامه. قوله تعالى { ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين } الاستفهام للإِنكار، والمراد بالأولين أمثال قوم نوح وعاد وثمود من الأمم القديمة عهداً، وبالآخرين الملحقون بهم من الأمم الغابرة، والإِتباع جعل الشيء إثر الشيء. وقوله { ثم نتبعهم } برفع نتبع على الاستيناف وليس بمعطوف على { نهلك } وإلا لجزم. والمعنى قد أهلكنا المكذبين من الأمم الأولين ثم إنا نهلك الأمم الآخرين على إثرهم. وقوله { كذلك نفعل بالمجرمين } في موضع التعليل لما تقدمه ولذا أورد بالفصل من غير عطف كأن قائلاً قال لماذا أهلكوا؟ فقيل كذلك نفعل بالمجرمين. والآيات - كما ترى - إنذار وإرجاع للبيان إلى الأصل المضروب في السورة أعني قوله { ويل يومئذ للمكذبين } وهي بعينها حجة على توحد الربوبية فإن إهلاك المجرمين من الانسان تصرف في العالم الانساني وتدبير، وإذ ليس المهلك إلا الله - وقد اعترف به المشركون - فهو الرب لا رب سواه ولا إله غيره. على أنها تدل على وجود يوم الفصل لأن أهل إهلاك قوم لإِجرامهم لا يتم إلا بعد توجه تكليف إليهم يعصونه ولا معنى للتكليف إلا مع مجازاة المطيع بالثواب والعاصي بالعقاب فهناك يوم يفصل فيه القضاء فيثاب فيه المطيع ويعاقب فيه العاصي وليس هو الثواب والعقاب الدنيويين لأنهما لا يستوعبان في هذه الدار فهناك يوم يجازى فيه كل بما عمل، وهو يوم الفصل ذلك يوم مجموع له الناس. قوله تعالى { ألم نخلقكم من ماء مهين } إلى قوله { فنعم القادرون } الاستفهام للإِنكار، والماء المهين الحقير قليل الغناء والمراد به النطفة، والمراد بالقرار المكين الرحم وبقوله { قدر معلوم } مدة الحمل. وقوله { فقدرنا } من القدر بمعنى التقدير، والفاء لتفريع القدر على الخلق أي خلقناكم فقدرنا ما سيجري عليكم من الحوادث وما يستقبلكم من الأوصاف والأحوال من طول العمر وقصره وهيئة وجمال وصحة ومرض ورزق إلى غير ذلك. واحتمل أن يكون { قدرنا } من القدرة مقابل العجز والمراد فقدرنا على جميع ذلك، وما تقدم أوجه. والمعنى قد خلقناكم من ماء حقير هو النطفة فجعلنا ذلك الماء في قرار مكين هي الرحم إلى مدة معلومة هي مده الحمل فقدرنا جميع ما يتعلق بوجودكم من الحوادث والصفات والأحوال فنعم المقدرون نحن. ويجري في كون مضمون هذه الآيات حجة على توحد الربوبية نظير البيان السابق في الآيات المتقدمة، وكذا في كونه حجة على تحقق يوم الفصل فإن الربوبية تستوجب خضوع المربوبين لساحتها وهو الدين المتضمن للتكليف، ولا يتم التكليف إلا بجعل جزاء على الطاعة والعصيان، واليوم الذي يجازى فيه بالأعمال هو يوم الفصل.

السابقالتالي
2 3 4 5