الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } * { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } * { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } * { نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً } * { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

بيان لما وصف جزاء الأبرار وما قدر لهم من النعيم المقيم والملك العظيم بما صبروا في جنب الله وجّه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بالصبر لحكم ربه وأن لا يطيع هؤلاء الآثمين والكفار المحبين للعاجلة المتعلقين بها المعرضين عن الآخرة من المشركين وسائر الكفار والمنافقين وأهل الأهواء، وأن يذكر اسم ربه ويسجد له ويسبحه مستمراً عليه ثم عمم الحكم لامته بقوله { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً }. فهذا وجه اتصال الآيات بما قبلها وسياقها مع ذلك لا يخلو من شبه بالسياقات المكية وعلى تقدير مكيتها فصدر السورة مدني وذيلها مكي. قوله تعالى { إنَّا نحن نزّلنا عليك القرآن تنزيلاً } تصدير الكلام بإن وتكرار ضمير المتكلم مع الغير والإِتيان بالمفعول المطلق كل ذلك للتأكيد، ولتسجيل أن الذي نزل من القرآن نجوماً متفرقة هو من الله سبحانه لم يداخله نفث شيطاني ولا هو نفساني. قوله تعالى { فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } تفريع على ما هو لازم مضمون الآية السابقة فإن لازم كون الله سبحانه هو الذي نزّل القرآن عليه أن يكون ما في القرآن من الحكم حكم ربه يجب أن يطاع فالمعنى إذا كان تنزيله منا فما فيه من الحكم حكم ربك فيجب عليك أن تصبر له فاصبر لحكم ربك. وقوله { ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } ورود الترديد في سياق النهي يفيد عموم الحكم فالنهي عن طاعتهما سواء اجتمعا أو افترقا، والظاهر أن المراد بالإِثم المتلبس بالمعصية وبالكفور المبالغ في الكفر فتشمل الآية الكفار والفساق جميعاً. وسبق النهي عن طاعة الإِثم والكفور بالأمر بالصبر لحكم ربه يفيد كون النهي مفسراً للأمر فمفاد النهي أن لا تطع منهم آثماً إذا دعاك إلى إثمه ولا كفوراً إذا دعاك إلى كفره لأن إثم الآثم منهم وكفر الكافر مخالفان لحكم ربك وأما تعليق الحكم بالوصف المشعر بالعلية فإنما يفيد علية الإِثم والكفر للنهي عن الطاعة مطلقاً لا عليتهما للنهي إذا دعا الآثم إلى خصوص إثمه والكافر إلى خصوص كفره. قوله تعالى { واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً } أي داوم على ذكر ربك وهو الصلاة في كل بكرة وأصيل وهما الغدو والعشي. قوله تعالى { ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً } { من } للتبعيض والمراد بالسجود له الصلاة، ويقبل ما في الآيتين من ذكر اسمه بكرة وأصيلاً والسجود له بعض الليل الإِنطباق على صلاة الصبح والعصر والمغرب والعشاء وهذا يؤيد نزول الآيات بمكة قبل فرض الفرائض الخمس بقوله في آية الإِسراءأقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر } الإسراء 78. فالآيتان كقوله تعالى

السابقالتالي
2 3