الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } * { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } * { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } * { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } * { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } * { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } * { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } * { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } * { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }

بيان تذكر السورة خلق الإِنسان بعد ما لم يكن شيئاً مذكوراً ثم هدايته السبيل إما شاكراً وإما كفوراً وأن الله إعتد للكافرين أنواع العذاب وللأبرار ألوان النعم - وقد فصل القول في وصف نعيمهم في ثمان عشرة آية وهو الدليل على أنه المقصود بالبيان -. ثم تذكر مخاطباً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن القرآن تنزيل منه تعالى عليه وتذكرة فليصبر لحكم ربه ولا يتبع الناس في أهوائهم وليذكر اسم ربه بكرة وعشياً وليسجد له من الليل وليسبحه ليلاً طويلاً. والسورة مدنية بتمامها أو صدرها - وهي اثنتان وعشرون آية من أولها - مدني، وذيلها - وهي تسع آيات من آخرها - مكي وقد أطبقت روايات أهل البيت عليهم السلام على كونها مدنية، واستفاضت بذلك روايات أهل السنة. وقيل بكونها مكية بتمامها، وسيوافيك تفصيل القول في ذلك في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى. قوله تعالى { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً } الاستفهام للتقرير فيفيد ثبوت معنى الجملة وتحققه أي قد أتى على الانسان " الخ " ولعل هذا مراد من قال من قدماء المفسرين إن { هل } في الآية بمعنى قد، لا على أن ذلك أحد معاني { هل } كما ذكره بعضهم. والمراد بالإِنسان الجنس. وأما قول بعضهم إن المراد به آدم عليه السلام فلا يلائمه قوله في الآية التالية { إنا خلقنا الإِنسان من نطفة }. والحين قطعة من الزمان محدودة قصيرة كانت أو طويلة، والدهر الزمان الممتد من دون تحديد ببداية أو نهاية. وقوله { شيئاً مذكوراً } أي شيئاً يذكر باسمه في المذكورات أي كان يذكر مثلاً الأرض والسماء والبر والبحر وغير ذلك ولا يذكر الإِنسان لأنه لم يوجد بعد حتى وجد فقيل الإِنسان فكونه مذكوراً كناية عن كونه موجوداً بالفعل فالنفي في قوله { لم يكن شيئاً مذكوراً } متوجه إلى كونه شيئاً مذكوراً لا إلى أصل كونه شيئاً فقد كان شيئاً ولم يكن شيئاً مذكوراً ويؤيده قوله { إنا خلقنا الإِنسان من نطفة } الخ فقد كان موجوداً بمادته ولم يتكون بعد إنساناً بالفعل والآية وما يتلوها من الآيات واقعة في سياق الاحتجاج يبين بها أن الانسان حادث يحتاج في وجوده إلى صانع يصنعه وخالق يخلقه، وقد خلقه ربه وجهزه التدبير الربوبي بأدوات الشعور من السمع والبصر يهتدي بها إلى السبيل الحق الذي من الواجب أن يسلكه مدى حياته فإن كفر فمصيره إلى عذاب أليم وإن شكر فإلى نعيم مقيم. والمعنى هل أتى - قد أتى - على الإِنسان قطعة محدودة من هذا الزمان الممتد - غير المحدود والحال أنه لم يكن موجوداً بالفعل مذكوراً في عداد المذكورات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد