الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } * { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ } * { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } * { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } * { كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } * { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ }

بيان في معنى الاستنتاج مما تقدم من الوعيد والوعد أُورد في صورة التعجب من إعراضهم عن تذكرة القرآن وتنفرهم عن الحق الصريح كأنه قيل فإذا كان كذلك فعليهم أن يجيبوا دعوة الحق ويتذكروا بالتذكرة فمن العجب أنهم معرضون عن ذلك كلا بل لا يؤمنون بالرسالة ويريد كل امرئ منهم أن ينزل عليه كتاب من الله. كلا بل لا يخافون الآخرة فلا يرتدعون عن وعيد. ثم يعرض عليهم التذكرة عرضاً فهم على خيرة من القبول والرد فإن شاؤا قبلوا وإن شاؤا ردوا، لكن عليهم أن يعلموا أنهم غير مستقلين في مشيتهم وليسوا بمعجزين لله سبحانه فليس لهم أن يذكروا إلا أن يشاء الله، وحكم القدر جار فيهم البتة. قوله تعالى { فما لهم عن التذكرة معرضين } تفريع على ما تقدم من التذكرة والموعظة، والاستفهام للتعجيب، و { لهم } متعلق بمحذوف والتقدير فما كان لهم و { معرضين } حال من ضمير { لهم } و { عن التذكرة } متعلق بمعرضين. والمعنى فإذا كان كذلك فأي شيء كان - عرض - للمشركين الذين يكذبون بتذكرة القرآن حال كونهم معرضين عنها أي كان من الواجب عليهم أن يصدقوا ويؤمنوا لكنهم أعرضوا عنها وهو من العجب. قوله تعالى { كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة } تشبيه لهم من حيث حالهم في الإِعراض عن التذكرة، والحمر جمع حمار، والمراد الحمر الوحشية والاستنفار بمعنى النفرة والقسورة الأسد والصائد، وقد فسر بكل من المعنيين. والمعنى معرضين عن التذكرة كأنهم حمر وحشية نفرت من أسد أو من الصائد. قوله تعالى { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة } المراد بالصحف المنشرة الكتاب السماوي المشتمل على الدعوة الحقة. وفي الكلام إضراب عما ذكر من إعراضهم، والمعنى ليس إعراضهم عن التذكرة لمجرد النفرة بل يريد كل امرئ منهم أن ينزل عليه كتاب من عند الله مشتمل على ما تشتمل عليه دعوة القرآن. وهذه النسبة إليهم كناية عن استكبارهم على الله سبحانه أنهم إنما يقبلون دعوته ولا يردونها لو دعا كل واحد منهم بإنزال كتاب سماوي إليه مستقلاً وأما الدعوة من طريق الرسالة فليسوا يستجيبونها وإن كانت حقة مؤيدة بالآيات البينة. فالآية في معنى ما حكاه الله سبحانه من قولهملن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أُوتي رسل الله } الأنعام 124، وفي معنى قول الأمم لرسلهم { إن أنتم إلا بشر مثلنا } على ما قررنا من حجتهم على نفي رسالة الرسل. وقيل إن الآية في معنى قولهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي حكاه الله في قولهولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه } الإسراء 93. ويدفعه أن مدلول الآية أن ينزل على كل واحد منهم صحف منشرة غير ما ينزل على غيره لا نزول كتاب واحد من السماء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأه الجميع كما هو مدلول آية الإِسراء.

السابقالتالي
2 3 4