الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } * { قُمْ فَأَنذِرْ } * { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } * { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } * { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } * { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } * { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ }

بيان تتضمن السورة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإِنذار في سياق يلوح منه كونه من أوامر أوائل البعثة ثم الإِشارة إلى عظم شأن القرآن الكريم وجلالة قدره، والوعيد الشديد على من يواجهه بالإِنكار والرمي بالسحر، وذم المعرضين عن دعوته. والسورة مكية من العتائق النازلة في أوائل البعثة وظهور الدعوة حتى قيل إنها أول سورة نزلت من القرآن وإن كان يكذبه نفس آيات السورة الصريحة في سبق قراءته صلى الله عليه وآله وسلم القرآن على القوم وتكذيبهم به وإعراضهم عنهم ورميهم له بأنه سحر يؤثر. ولذا مال بعضهم إلى أن النازل أولاً هي الآيات السبع الواقعة في أول السورة ولازمه كون السورة غير نازلة دفعة وهو وإن كان غير بعيد بالنظر إلى متن الآيات السبع لكن يدفعه سياق أول سورة العلق الظاهر في كونه أول ما نزل من القرآن. واحتمل بعضهم أن تكون السورة أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الأمر بإعلان الدعوة بعد إخفائها مدة في أول البعثة فهي في معنى قولهفاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } الحجر 94، وبذلك جمع بين ما ورد من أنها أول ما نزل، وما ورد أنها نزلت بعد سورة العلق، وما ورد أن سورتي المزمل والمدثر نزلتا معاً، وهذا القول لا يتعدى طور الاحتمال. وكيف كان فالمتيقن أن السورة من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السور القرآنية، والآيات السبع التي نقلناها تتضمن الأمر بالإِنذار وسائر الخصال التي تلزمه مما وصّاه الله به. قوله تعالى { يا أيها المدّثّر } المدثر بتشديد الدال والثاء أصله المتدثر اسم فاعل من التدثر بمعنى التغطي بالثياب عند النوم. والمعنى يا ايها المتغطي بالثياب للنوم خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان على هذه الحال فخوطب بوصف مأخوذ من حاله تأنيساً وملاطفة نظير قوله { يا أيها المزمل }. وقيل المراد بالتدثر تلبسه صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة بتشبيهها بلباس يتحلى به ويتزين وقيل المراد به إعتزاله صلى الله عليه وآله وسلم وغيبته عن النظر فهو خطاب له بما كان عليه في غار حراء، وقيل المراد به الاستراحة والفراغ فكأنه قيل له صلى الله عليه وآله وسلم يا أيها المستريح الفارغ قد انقضى زمن الراحة وأقبل زمن متاعب التكاليف وهداية الناس. وهذه الوجوه وإن كانت في نفسها لا بأس بها لكن الذي يسبق إلى الذهن هو المعنى الأول. قوله تعالى { قم فأنذر } الظاهر أن المراد به الأمر بالإِنذار من غير نظر إلى من ينذر فالمعنى افعل الإِنذار، وذكر بعضهم أن مفعول الفعل محذوف، والتقدير أنذر عشيرتك الأقربين لمناسبته لابتداء الدعوة كما ورد في سورة الشعراء.

السابقالتالي
2 3 4