الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } * { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } * { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } * { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً } * { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } * { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } * { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } * { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } * { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } * { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } * { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } * { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } * { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } * { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً } * { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } * { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } * { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } * { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً }

بيان تشير السورة إلى رسالة نوح عليه السلام إلى قومه وإجمال دعوته وعدم استجابتهم له ثم شكواه إلى ربه منهم ودعائه عليهم واستغفاره لنفسه ولوالديه ولمن دخل بيته مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ثم حلول العذاب بهم وإهلاكهم بالإِغراق والسورة مكية بشهادة سياق آياتها. قوله تعالى { إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم } { أن أنذر قومك } الخ، تفسير لرسالته أي أوحينا إليه أن أنذر، " الخ ". وفي الكلام دلالة على أن قومه كانوا عرضة للعذاب بشركهم ومعاصيهم كما يدل عليه ما حكى من قوله عليه السلام في الآية التالية { اعبدوا الله واتقوه } وذلك أن الإِنذار تخويف والتخويف إنما يكون من خطر محتمل لا دافع له لولا التحذر، وقد أفاد قوله { من قبل أن يأتيهم عذاب أليم } أنه متوجه إليهم غير تاركهم لولا تحذرهم منه. قوله تعالى { قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون } بيان لتبليغه رسالته إجمالاً بقوله { إني لكم نذير مبين } ، وتفصيلاً بقوله { أن اعبدوا الله } الخ. وفي إضافته اليوم إلى نفسه إظهار إشفاق ورحمة أي إنكم قومي يجمعكم وإياي مجتمعنا القومي تسوؤني ما أساءكم فلست أُريد إلا ما فيه خيركم وسعادتكم إني لكم نذير الخ. وفي قوله { أن اعبدوا الله } دعوتهم إلى توحيده تعالى في عبادته فإن القوم كانوا وثنيين يعبدون الأصنام، والوثنية لا تجوّز عبادة الله سبحانه لا وحده ولا مع غيره، وإنما يعبدون أرباب الأصنام بعبادة الأصنام ليكونوا شفعاء لهم عند الله، ولو جوزوا عبادته تعالى لعبدوه وحده فدعوتهم إلى عبادة الله دعوة لهم إلى توحيده في العبادة. وفي قوله { واتقوه } دعوتهم إلى اجتناب معاصيه من كبائر الإِثم وصغائره وهي الشرك فما دونه، وفعل الأعمال الصالحة التي في تركها معصية. وفي قوله { وأطيعون } دعوة لهم إلى طاعة نفسه المستلزم لتصديق رسالته وأخذ معالم دينهم مما يعبد به الله سبحانه ويستن به في الحياة منه عليه السلام ففي قوله { اعبدوا الله واتقوه وأطيعون } ندب إلى أصول الدين الثلاثة التوحيد المشار إليه بقوله { اعبدوا الله } والمعاد الذي هو أساس التقوى والتصديق بالنبوة المشار إليه بالدعوة إلى الطاعة المطلقة. قوله تعالى { يغفر لكم من ذنوبكم } مجزوم في جواب الأمر وكلمة { من } للتبعيض على ما هو المتبادر من السياق، والمعنى إن تعبدوه وتتقوه وتطيعوني يغفر لكم بعض ذنوبكم وهي الذنوب التي قبل الإيمان الشرك فما دونه، وأما الذنوب التي لم تقترف بعد مما سيستقبل فلا معنى لمغفرتها قبل تحققها، ولا معنى أيضاً للوعد بمغفرتها إن تحققت في المستقبل أو كلما تحققت لاستلزام ذلك إلغاء التكاليف الدينية بإلغاء المجازاة على مخالفتها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7