الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } * { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } * { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } * { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } * { فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ } * { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } * { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

بيان لما ذكر سبحانه في الفصل الأول من آيات السورة في ذيل ما حكى من سؤالهم العذاب أن لهم عذاباً واقعاً ليس له دافع وهو النار المتلظية النزاعة للشوى التي تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى. ثم بين في الفصل الثاني منها الملاك في ابتلائهم بهذه الشقوة وهو أن الانسان مجهز بغريزة الهلع وحب خير نفسه ويؤديه اتباع الهوى في استعمالها إلى الاستكبار على كل حق يواجهه فيورده ذلك النار الخالدة، ولا ينجو من ذلك إلا الصالحون عملاً المصدقون ليوم الدين المشفقون من عذاب ربهم. انعطف في هذا الفصل من الآيات - وهو الفصل الثالث - على أولئك الكفار كالمتعجب من أمرهم حيث يجتمعون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين مقبلين عليه بأبصارهم لا يفارقونه فخاطبه صلى الله عليه وآله وسلم ما بالهم يحيطون بك مهطعين عليك يلازمونك؟ هل يريد كل امرء منهم أن يدخل جنة نعيم وهو كافر وقد قدر الله سبحانه أن لا يكرم بجنته إلا من استثناه من المؤمنين فهل يريدون أن يسبقوا الله ويعجزوه بنقض ما حكم به وإبطال ما قدره كلا إن الله الذي خلقهم من نطفة مهينة قادر أن يبدلهم خيراً منهم ويخلق مما خلقهم منه، غيرهم ممن يعبده ويدخل جنته. ثم أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقطع خصامهم ويذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون. قوله تعالى { فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين } قال في المجمع قال الزجاج المهطع المقبل ببصره على الشيء لا يزايله وذلك من نظر العدو، وقال أبو عبيدة الاهطاع الاسراع، وعزين جماعات في تفرقة، واحدتهم عزة. انتهى، وقبل الشيء بالكسر فالفتح الجهة التي تليه والفاء في { فما } فصيحة. والمعنى إذا كان الانسان بكفره واستكباره على الحق مصيره الى النار إلا من استثنى من المؤمنين فما للذين كفروا عندك مقبلين عليك لا يرفعون عنك أبصارهم وهم جماعات متفرقة عن يمينك وشمالك أيطمعون أن يدخلوا الجنة فيعجزوا الله ويسبقوه فيما قضى به أن لا يدخل الجنة إلا الصلحاء من المؤمنين. قوله تعالى { أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنه نعيم } ، الاستفهام للانكار أي - ما هو الذي يحملهم على أن يحتفوا بك ويهطعوا عليك؟ - هل يحملهم على ذلك طمع كل منهم أن يدخل جنة نعيم وهو كافر فلا مطمع للكافر في دخول الجنة. ونسب الطمع إلى كل امرء منهم ولم ينسب إلى جماعتهم بأن يقال أيطمعون أن يدخلوا " الخ " كما نسب الإِهطاع إلى جماعتهم فقيل مهطعين لأن النافع من الطمع في السعادة والفلاح هو الطمع القائم بنفس الفرد الباعث له إلى الإِيمان والعمل الصالح دون القائم بالجماعة بما أنها جماعة فطمع المجموع من حيث أنه مجموع لا يكفي في سعادة كل واحد واحد.

السابقالتالي
2 3 4 5