الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤمۤصۤ } * { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } * { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } * { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ }

بيان السورة تشتمل من الغرض على مجموع ما تشتمل عليه السور المصدرة بالحروف المقطعة " الم " والسورة المصدرة بحرف " ص " فليكن على ذكر منك حتى نستوفي ما استيفاؤه من البحث في أول سورة حم عسق إن شاء الله تعالى عن الحروف المقطعة القرآنية. والسورة كأنها تجعل العهد الإِلهي المأخوذ من الإِنسان على أن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً أصلاً يبحث عما آل إليه أمره بحسب مسير الإِنسانية في الأمم والأجيال فأكثرهم نقضوه ونسوه ثم إذا جاءتهم آيات مذكرة لهم أو أنبياء يدعونهم إليه كذَّبوا وظلموا بها ولم يتذكر بها إلا الأقلون. وذلك أن العهد الإِلهي الذي هو إجمال ما تتضمنه الدعوة الدينية الإِلهية إذا نزل بالإِنسان - وطبائع الناس مختلفة في استعداد القبول والرد - تحوّل لا محالة بحسب أماكن نزوله والأوضاع والأحوال والشرائط الحافّة بنفوس الناس فأنتج في بعض النفوس - وهي الطاهرة الباقية على أصل الفطرة - الإِهتداء إلى الإِيمان بالله وآياته، وفي آخرين وهم الأكثرون ذووا النفوس المخلدة إلى الأرض المستغرقة في شهوات الدنيا خلاف ذلك من الكفر والعتوّ. واستتبع ذلك ألطافاً إلهية خاصة بالمؤمنين من توفيق ونصر وفتح في الدنيا، ونجاة من النار وفوز بالجنة وأنواع نعيمها الخالد في الآخرة، وغضباً ولعناً نازلاً على الكافرين وعذاباً واقعاً يهلك جمعهم، ويقطع نسلهم، ويخمد نارهم، ويجعلهم أحاديث ويمزقهم كل ممزق، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون. فهذه هي سنة الله التي قد خلت في عباده وعلى ذلك ستجري، والله يحكم لا معقب لحكمه وهو على صراط مستقيم. فتفاصيل هذه السنة إذا وصفت لقوم ليدعوهم ذلك إلى الإِيمان بالله وآياته كان ذلك إنذاراً لهم، وإذا وصفت لقوم مؤمنين ولهم علم بربهم في الجملة ومعرفة بمقامه الربوبيّ كان ذلك تذكيراً لهم بآيات الله وتعليماً بما يلزمه من المعارف وهي معرفة الله ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا وسنته الجارية في الآخرة والأولى وهذا هو الذي يلوح من قوله تعالى في الآية الثانية من السورة { لتنذر به وذكرى للمؤمنين } أن غرضها هو الإِنذار والذكرى. والسورة على أنها مكية - إلا آيات اختُلف فيها - وجه الكلام فيها بحسب الطبع إلى المشركين وطائفة قليلة آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما يظهر من آيات أولها وآخرها إنذار لعامة الناس بما فيها من الحجة والموعظة والعبرة، وقصة آدم عليه السلام وإبليس وقصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام، وهي ذكرى للمؤمنين تذكرهم ما يشتمل عليه إجمال إيمانهم من المعارف المتعلقة بالمبدأ والمعاد والحقائق التي هي آيات إلهية. والسورة تتضمن طرفاً عالياً من المعارف الإِلهية منها وصف إبليس وقبيله، ووصف الساعة والميزان والأعراف وعالم الذر والميثاق ووصف الذاكرين لله، وذكر العرش، وذكر التجلي، وذكر الاسماء الحسنى، وذكر أن للقرآن تأويلاً إلى غير ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10