الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } * { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ }

بيان قوله تعالى { وإلى مدين أخاهم شعيباً } الآية معطوف على القصة الأولى وهي قصة نوح عليه السلام، وقد بنى عليه السلام دعوته على أساس التوحيد كما بناها عليه من قبله من الرسل المذكورين في القصص المتقدمة. وقوله { قد جاءتكم بينة من ربكم } يدل على مجيئه بآية تدل على رسالته ولكن الله سبحانه لم يذكر ذلك في كتابه وليست هذه الآية هي آية العذاب التي يذكرها الله تعالى في آخر قصته فإن عامة قومه من الكفار لم ينتفعوا بها بل كان فيها هلاكهم ولا معنى لكون آية العذاب آية للرسالة مبينة للدعوة. على أنه يفرع قوله { فأوفوا الكيل والميزان } الآية على مجيء الآية ظاهراً وإنما يستقيم الدعوة إلى العمل بالدين قبل نزول العذاب وتحقق الهلاك. وهو ظاهر. وقد دعاهم أولاً بعد التوحيد الذي هو أصل الدين إلى إيفاء الكيل والميزان وأن لا يبخسوا الناس أشياءهم فقد كان الإِفساد في المعاملات رائجاً فيهم شائعاً بينهم. ثم دعاهم ثانياً بقوله { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } إلى الكف عن الإِفساد في الأرض بعدما أصلحها الله بحسب طبعها، والفطرة الإِنسانية الداعية إلى اصلاحها كي ينتظم بذلك أمر الحياة السعيدة، والإِفساد في الأرض وإن كان بحسب إطلاق معناه يشمل جميع المعاصي والذنوب مما يتعلق بحقوق الله أو بحقوق الناس كائنة ما كانت لكن مقابلته لما قبله وما بعده يخصه - تقريباً - بالإِفساد الذي يسلب الأمن العام في الأموال والأعراض والنفوس كقطع الطرق ونهب الأموال وهتك الأعراض وقتل النفوس المحترمة. ثم علل دعوته إلى الأمرين بقوله { ذٰلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين } أما كون إيفاء الكيل والميزان وعدم بخس الناس أشياءهم خيراً فلأن حياة الإِنسان الاجتماعية في استقامتها مبنية على المبادلة بين الأفراد بإعطاء كل منهم ما يفضل من حاجته، وأخذ ما يعادله مما يتمم به نقصه في ضروريات الحياة وما يتبعها، وهذا يحتاج إلى أمن عام في المعاملات تحفظ به أوصاف الأشياء ومقاديرها على ما هي عليه فمن يجوز لنفسه البخس في أشياء الناس فهو يجوز ذلك لكل من هو مثله، وهو شيوعه، وإذا شاع البخس والغش والغرر من غير أن يؤمن حلول السم محل الشفاء والردي مكان الجيد، والخليط مكان الخالص، وبالأخرة كل شيء محل كل شيء بأنواع الحيل والعلاجات كان فيه هلاك الأموال والنفوس جميعاً. وأما كون الكف عن إفساد الأرض خيراً لهم فلأن سلب الأمن العام يوقف رحى المجتمع الإِنساني عن حركتها من جميع الجهات وفي ذلك هلاك الحرث والنسل وفناء الإِنسانية. فالمعنى إيفاء الكيل والميزان وعدم البخس والكف عن الفساد في الأرض خير لكم يظهر لكم خيريته إن كنتم مصدقين لقولي مؤمنين بي، أو المعنى ذلكم خير لكم تعلمون أنه خير إن كنتم ذوي إيمان بالحق.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7