الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَـٰلَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ }

بيان تعقيب لما تقدم من الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك بالله سبحانه والتكذيب لآياته بذكر قصة نوح عليه السلام وإرساله إلى قومه يدعوهم إلى توحيد الله وترك عبادة غيره وما واجهته به عامة قومه من الإِنكار والإِصرار على تكذيبه فأرسل الله إليهم الطوفان وأنجى نوحاً والذين آمنوا معه ثم أهلك الباقين عن آخرهم. ثم عقب الله قصته بقصص عدة من رسله كهود وصالح وشعيب ولوط وموسى عليهم السلام للغرض بعينه. قوله تعالى { لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } إلى آخر الآية. بدء الله سبحانه بقصته وهو أول رسول يذكر الله سبحانه تفصيل قصته في القرآن كما سيأتي تفصيل القول في قصته في سورة هود إن شاء الله تعالى. واللام في قوله { لقد أرسلنا نوحاً } للقسم جيء بها للتأكيد لأن وجه الكلام إلى المشركين وهم ينكرون النبوة، وقوله { فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } ناداهم بقوله { يا قوم } فأضافهم إلى نفسه ليكون جرياً على مقتضى النصح الذي سيخبرهم به عن نفسه، ودعاهم أول ما دعاهم إلى توحيد الله تعالى فإن دعاهم إلى عبادته، وأخبرهم بانتفاء كل إله غيره فيكون دعوة إلى عبادة الله وحده من غير أن يشرك به في عبادته غيره، وهو التوحيد. ثم أنذرهم بقوله { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } وظاهره يوم القيامة فيكون في ذلك دعوة إلى أصلين من أُصول الدين وهما التوحيد والمعاد، وأما الأصل الثالث وهو النبوة فسيصرح به في قوله { يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول } الآيه. على أن في نفس الدعود وهي دعوة إلى نوع من العبادة لا يعرفونها وكذا الإِنذار بما لم يكونوا يعلمونه وهو عذاب القيامة إشعاراً بالرسالة من قبل من يدعو إليه، ومن الشاهد على ذلك قوله في جوابهم { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم } فإنه يدل على تعجبهم من رسالته باستماع أول ما خاطبهم به من الدعوة وهو قوله { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره }. قوله تعالى { قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين } الملأ هم أشراف القوم وخواصهم سموا به لأنهم يملؤون القلوب هيبة والعيون جمالاً وزينة، وإنما رموا بالضلال المبين وأكدوه تأكيداً شديداً لأنهم لم يكونوا ليتوقعوا أن معترضاً يعترض عليهم بالدعوة إلى رفض آلهتهم وتوجيه العبادة إلى الله سبحانه بالرسالة والإِنذار فتعجبوا من ذلك فأكدوا ضلالة مدعين أن ذلك من بيَّن الضلال تحقيقاً. والرؤية هي الرؤية بحسب الفكر أعني الحكم. قوله تعالى { قال يا قوم ليس بي ضلالة } الآية. أجابهم بنفي الضلال عن نفسه والاستدراك بكونه رسولاً من الله سبحانه، وذكره بوصفه { رب العالمين } ليجمع له الربوبية كلها قبال تقسيمهم إياها بين آلهتهم بتخصيص كل منها بشيء من شؤونها وأبوابها كربوبية البحر وربوبية البر وربوبية الأرض وربوبية السماء وغير ذلك.

السابقالتالي
2