الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } * { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } * { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }

بيان الآيات ختام السورة، وفيها رجوع إلى ذكر معنى الغرض الذي نزلت فيه السورة ففيها أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسيرة الحسنة الجميلة التي تميل إليها القلوب، وتسكن إليها النفوس، وأمره بالتذكر ثم بالذكر أخيراً. قوله تعالى { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } الأخذ بالشيء هو لزومه أو عدم تركه فأخذ العفو ملازمة الستر على إساءة من أساء إليه، والإِغماض عن حق الانتقام الذي يعطيه العقل الاجتماعي لبعضهم على بعض. هذا بالنسبة إلى إساءة الغير بالنسبة إلى نفسه والتضييع لحق شخصه، وأما ما أُضيع فيه حق الغير بالإِساءة إليه فليس مما يسوغ العفو فيه لأنه إغراء بالإِثم وتضييع لحق الغير بنحو أشد، وإبطال للنواميس الحافظة للاجتماع، ويمنع عنه جميع الآيات الناهية عن الظلم والإِفساد وإعانة الظالمين والركون إليهم بل جميع الآيات المعطية لاصول الشرائع والقوانين، وهو ظاهر. فالمراد بقوله { خذ العفو } هو الستر بالعفو فيما يرجع إلى شخصه صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى ذلك كان يسير فقد تقدم في بعض الروايات المتقدمة في أدبه صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم ينتقم من أحد لنفسه قط. هذا على ما ذكره القوم أن المراد بالعفو ما يساوق المغفرة، وفي بعض الروايات الآتية عن الصادق عليه السلام أن المراد به الوسط وهو أنسب بالآية وأجمع للمعنى من غير شائبة التكرار الذي يلزم من قوله { وأعرض عن الجاهلين } على التفسير الأول. وقوله { وأمر بالعرف } والعرف هو ما يعرفه عقلاء المجتمع من السنن والسير الجميلة الجارية بينهم بخلاف ما ينكره المجتمع وينكره العقل الاجتماعي من الأعمال النادرة الشاذة، ومن المعلوم أن لازم الأمر بمتابعة العرف أن يكون نفس الآمر مؤتمراً بما يأمر به من المتابعة، ومن ذلك أن يكون نفس أمره بنحو معروف غير منكر فمقتضى قوله { وأمر بالعرف } أن يأمر بكل معروف، وأن لا يكون نفس الأمر بالمعروف على وجه منكر. وقوله { وأعرض عن الجاهلين } أمر آخر بالمداراة معهم، وهو أقرب طريق وأجمله لإِبطال نتائج جهلهم وتقليل فساد أعمالهم فإن في مقابلة الجاهل بما يعادل جهله إغراء له بالجهل والإِدامة على الغي والضلال. قوله تعالى { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم } قال الراغب في المفردات النزغ دخول في أمر لأجل إفساده، قال من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي. انتهى، وقيل هو الإِزعاج والإِغراء وأكثر ما يكون حال الغضب، وقيل هو من الشيطان أدنى الوسوسة، والمعاني متقاربة، وأقربها من الآية هو الأوسط لمناسبته الآية السابقة الآمره بالإِعراض عن الجاهلين فإن مماستهم الإِنسان بالجهالة نوع مداخلة من الشيطان لإِثارة الغضب، وسوقه إلى جهالة مثله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6