الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } * { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }

بيان الكلام في الآيات جار على ما جرت عليه سائر آيات السورة من مواثيق النوع الإِنساني ونقضها على الأغلب الأكثر. قوله تعالى { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } إلى آخر الآيتين. الكلام في الآيتين جار مجرى المثل المضروب لبني آدم في نقضهم موثقهم الذي واثقوه، وظلمهم بآيات الله. والمعنى { هو الذي خلقكم } يا معشر بني آدم { من نفس واحدة } هو أبوكم { وجعل منها } أي من نوعها { زوجها ليسكن } الرجل الذي هو النفس الواحدة { إليها } أي إلى الزوج التي هي امرأته { فلما تغشاها } والتغشي هو الجماع { حملت حملاً خفيفاً } والمحمول النطفة وهي خفيفة { فمرت به } أي استمرت الزوج بحملها تذهب وتجئ وتقوم وتقعد حتى نمت النطفة في رحمها وصارت جنيناً ثقيلاً أثقلت به الزوج { فلما أثقلت دعوا الله ربهما } وعاهداه وواثقاه { لئن آتيتنا } ورزقتنا ولداً { صالحاً } يصلح للحياة والبقاء بكونه إنساناً سوياً تام الأعضاء غير ذي عاهة وآفة فإن ذلك هو المرجو للولد حين ولادته وبدء نشوئه دون الصلاح الديني { لنكونن من الشاكرين } لك بإظهار نعمتك، والانقطاع إليك في أمره لا نميل إلى سبب دونك، ولا نتعلق بشيء سواك. { فلما آتاهما صالحاً } كما سألاه وجعله إنساناً سوياً صالحاً للبقاء وقرت به عينهما { جعلا له شركاء فيما آتاهما } من الولد الصالح حيث بعثتهما المحبة والشفقة عليه أن يتعلقا بكل سبب سواه، ويخضعا لكل شيء دونه مع أنهما كانا قد اشترطا له أن يكونا شاكرين له غير كافرين لنعمته وربوبيته فنقضا عهدهما وشرطهما. وهكذا عامة الإِنسان إلا من رحمه الله مهتمون بنقض مواثيقهم وخلف وعدهم، وعدم الوفاء بعهدهم مع الله { فتعالى الله عما يشركون }. والقصة - كما ترى - يمكن أن يراد بها بيان حال الأبوين من نوع الإِنسان في استيلادهما الولد بالاعتبار العام النوعي فإن كل إنسان فإنه مولود أبويه فالكثرة الإِنسانية نتيجة أبوين يولدان ولداً كما في قوله تعالىيا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل } الحجرات 13. والغالب على حال الأبوين وهما يحبان ولدهما ويشفقان عليه أن ينقطعا طبعاً إلى الله في أمر ولدهما وإن لم يلتفتا إلى تفصيل انقطاعهما كما ينقطع راكب البحر إلى الله سبحانه إذا تلاطمت وأخذت أمواجها تلعب به ينقطع إلى ربه وإن لم يعبد رباً قط فإنما هو حال قلبي يضطر الإِنسان إليه. فللأبوين انقطاع إلى ربهما في أمر ولدهما لئن آتيتنا صالحاً نرضاه لنكونن من الشاكرين فلما استجاب لهما وآتاهما صالحاً جعلا له شركاء وتشبثا في حفظه وتربيته بكل سبب، ولاذا إلى كل كهف. ويؤيد هذا الوجه قوله في ذيل الآية { فتعالى الله عما يشركون } فإن المراد بالنفس وزوجها في صدر الكلام لو كان شخصين من الإِنسان بعينهما كآدم وحواء مثلاً كان من حق الكلام أن يقال فتعالى الله عن شركهما أو عما أشركا.

السابقالتالي
2 3 4