الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

بيان في الآيتين إبانة أن علم الساعة من الغيب المختص به تعالى لا يعلمه إلا الله، ولا دليل لتعيين وقتها والحدس لوقوعها أصلاً فلا تأتي إلا بغتة. وفيه إشارة ما إلى حقيقتها بذكر بعض أوصافها. قوله تعالى { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } إلى قوله { إلا هو } الساعة ساعة البعث والرجوع إلى الله لفصل القضاء العام فاللام للعهد لكنه صار في عرف القرآن والشرع كالحقيقة في هذا المعنى. والمرسى اسم زمان ومكان ومصدر ميمي من أرسيت الشيء إذا أثبته، أي متى وقوعها وثبوتها، والتجلية الكشف والإِظهار يقال جلاه فانجلى أي كشف عنه فانكشف. فقوله { لا يجليها لوقتها إلا هو } أي لا يظهرها ولا يكشف عنها في وقتها وعند وقوعها إلا الله سبحانه، ويدل ذلك على أن ثبوتها ووجودها والعلم بها واحد أي إنها محفوظة في مكمن الغيب عند الله تعالى يكشف عنها ويظهرها متى شاء من غير أن يحيط بها غيره سبحانه أو يظهر لشيء من الأشياء، وكيف يمكن أن يحيط بها شيء من الأشياء أو ينكشف عنده، وتحققها وظهورها يلازم فناء الأشياء، ولا شيء منها يسعه أن يحيط بفناء نفسه أو يظهر له فناء ذاته، والنظام السببي الحاكم في الكون يتبدل عند وقوعها، وهذا العلم الذي يصحبها من هذا النظام. ومن هنا يظهر أن المراد بقوله { ثقلت في السماوات والأرض } - والله أعلم - ثقل علمها في السماوات والأرض وهو بعينه ثقل وجودها فلا ثمرة لاختلافهم في أن المراد بثقل الساعة فيها ثقل علمها عليها، أو المراد ثقل صفتها على أهل السماوات والأرض لما فيها من الشدائد والعقاب والحساب والجزاء، أو ثقل وقوعها عليهم لما فيها من انطواء السماء وانتثار الكواكب واجتماع الشمس والقمر وتسيير الجبال، أو أن السماوات والأرض لا تطيق حملها لعظمتها وشدتها. وذلك أنها ثقلية بجميع ما يرجع إليها من ثبوتها والعلم بها وصفاتها على السماوات والأرض، ولا تطيق ظهورها لملازمته فناءها والشيء لا يطيق فناء نفسه. ومن ذلك يظهر أيضاً وجه قوله سبحانه { لا تأتيكم إلا بغتة } فإن البغتة والفجأة ظهور الشيء من غير أن يعلم به قبل ظهوره، والساعة لثقلها لا يظهر وصف من أوصافها، ولا جزء من أجزائها قبل ظهورها التام، ولذلك كان ظهورها لجميع الأشياء بغتة. ومن هنا أيضاً يظهر معنى تتمة الآية { يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله } الآية على ما سيأتي. قوله تعالى { يسألونك كأنك حفي عنها } إلى آخر الآية، قال الراغب الحفي العالم بالشيء انتهى وكأنه مأخوذ من حفيت في السؤال إذا ألححت، وقوله { كأنك حفي } متخلل بين يسألونك والظرف المتعلق به، والأصل يسألونك عنها كأنك حفي عالم بها، وهو يلوح إلى أنهم كرروا السؤال وألحوا عليه، ولذلك كرر السؤال والجواب بوجه في اللفظ.

السابقالتالي
2 3