الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } * { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ }

بيان قصة أخرى من قصص بني إسرائيل وهي نبأ بلعم بن باعورا أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يتلوه عليهم يتبين به أن مجرد الإتصال بالأسباب الظاهرية العادية لا يكفي في فلاح الإِنسان وتحتم السعادة له ما لم يشأ الله ذلك، وأن الله لا يشاء ذلك لمن أخلد إلى الأرض واتبع هواه فإن مصيره إلى النار ثم يذكر آية ذلك فيهم وهي أنهم لا يستعملون قلوبهم وأبصارهم وآذانهم فيما ينفعهم، والآية الجامعة أنهم غافلون. قوله تعالى { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } إلى آخر الآية معنى إيتاء الآيات على ما يعطيه السياق التلبس من الآيات الأنفسية والكرامات الخاصة الباطنية بما يتنور به طريق معرفة الله له، وينكشف له ما لا يبقى له معه ريب في الحق والانسلاخ خروج الشيء وانتزاعه من جلده، وهو كناية استعارية عن أن الآيات كانت لزمتها لزوم الجلد فخرج منها الخبث في ذاته، والإِتباع كالتبع والإِتباع التعقيب واقتفاء والأثر يقال تبع وأتبع واتّبع، والكل بمعنى واحد، والغي والغواية هي الضلال، كأنه الخروج من الطريق للقصور عن حفظ المقصد الذي يوصل إليه الطريق ففيه نسيان المقصد والغاية، فالمتحير في أمره وهو في الطريق غوي، والخارج عن الطريق وهو ذاكر لمقصده ضال، وهو الأنسب لمورد الآية فإن صاحب النبأ بعد ما انسلخ عن آيات الله واتبعه الشيطان غاب عنه سبيل الرشد فلم يتمكن من إنجاء نفسه عن ورطة الهلاك، وربما استعمل كل من الغواية والضلالة في معنى واحد. وهو الخروج عن الطريق الموصل إلى الغاية. وقد اختلف المفسرون في تعيين من هو صاحب النبأ في هذه الآية على أقوال مختلفة سنشير إلى جلها أو كلها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله. والآية - كما ترى - أبهمت اسمه واقتصرت على الإِشارة إلى إجمال قصته لكنها مع ذلك ظاهرة في أنه نبأ واقع لا مجرد تمثيل فلا وقع لقول من قال إنها مجرد تمثيل من غير نبأ واقع. والمعنى { واتل عليهم } أي على بني إسرائيل أو على الناس خبراً عن أمر عظيم وهو { نبأ } الرجل { الذي آتيناه آياتنا } وكشفنا لباطنه عن علائم وآثار إلهية عظام يتنور له بها حق الأمر { فانسلخ منها } ورفضها بعد لزومها { فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين } فلم يقو على إنجاء نفسه من الهلاك. قوله تعالى { ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه } الآية الإِخلاد اللزوم على الدوام، والإِخلاد إلى الأرض اللصوق بها، وهو كناية عن الميل إلى التمتع بالملاذ الدنيوية والتزامها، واللهث من الكلب أن يدلع لسانه من العطش.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7