الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } * { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } * { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }

بيان شروع في بعض قصص بني إسرائيل بعد تخلصهم من إسارة آل فرعون مما يناسب غرض القصص المسرودة سابقاً وهو أن الدعوة الدينية ما توجهت إلى أُمه إلا كان الكفر إليها أسبق، والناقضون لعهد الله فيهم أكثر فخص الله المؤمنين منهم بمزيد كرامته، وعذب الكافرين بشديد عذابه. وقد ذكر في الآيات مجاوزة بني إسرائيل البحر ومسألتهم بعد المجاوزة موسى عليه السلام أن يجعل لهم صنماً يعبدونه، وفيها عبادتهم للعجل بعد ما ذهب موسى لميقات ربه وفي ضمنها حديث نزول التوراة عليه. قوله تعالى { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم } الآية، العكوف الإِقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم. ذكره الراغب في المفردات، وقولهم { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } أي كما لهم آلهة مجعولة. كان بنو إسرائيل على شريعة جدهم إبراهيم عليه السلام، وقد خلا فيهم من الأنبياء إسحاق ويعقوب ويوسف، وهم على دين التوحيد الذي لا يعبد فيه إلا الله سبحانه وحده لا شريك له المتعالي عن أن يكون جسماً أو جسمانياً يعرض له شكل أو قدر غير أن بني إسرائيل كما يستفاد من قصصهم كانوا قوماً ماديين حسيين يجرون في حياتهم على أصالة الحس ولا يعتنون بما وراء الحس إلا اعتناء تشريفياً من غير أصالة ولا حقيقة، وقد مكثوا تحت إسارة القبط سنين متطاولة، وهم يعبدون الأوثان فتأثرت من ذلك أرواحهم وإن كانت العصبية القومية تحفظ لهم دين آبائهم بوجه. ولذلك كان جلهم لا يتصورون من الله سبحانه إلا أنه جسم من الأجسام بل جوهر أُلوهي يشاكل الإِنسان كما هو الظاهر المستفاد من التوراة الدائرة اليوم، وكلما كان موسى يقرب الحق من أذهانهم حولوه إلى أشكال وتماثيل يتوهمون له تعالى، لهذه العلة لما شاهدوا في مسيرهم قوماً يعكفون على أصنام لهم استحسنوا مثل ذلك لأنفسهم فسألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً كما لهم آلهه يعكفون عليها. فلم يجد موسى عليه السلام بداً من أن يتنزل في بيان توحيد الله سبحانه إلى ما يقارب أفهامهم على قصورها فلامهم أولاً على جهلهم بمقام ربهم مع وضوح أن طريق الوثنية طريق باطل هالك ثم عرف لهم ربهم بالصفة، وأنه لا يقبل صنماً ولا يحد بمثال كما سيجيء. قوله تعالى { إن هٰؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون } المتبر من التبار وهو الهلاك، والمراد بقوله { ما هم فيه } سبيلهم الذي يسلكونه وهو عبادة الأصنام والمراد بقوله { ما كانوا يعملون } أعمالهم العبادية، والمعنى أن هؤلاء الوثنية طريقتهم هالكة وأعمالهم باطلة فلا يحق أن يميل إليه إنسان عاقل لأن الغرض من عبادة الله سبحانه أن يهتدي به الإِنسان إلى سعادة دائمة وخير باق.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد