الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } * { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } * { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } * { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } * { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } * { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }

بيان الآيات تشتمل على إجمال ما جرى بينه عليه السلام وبين فرعون وقومه أيام إقامة موسى بينهم بعد القيام بالدعوة يدعوهم إلى الله وإلى إطلاق بني إسرائيل ويأتيهم بالآية بعد الآية حتى أنجاه الله تعالى وقومه، وأغرق فرعون وجنوده، وأورث بني إسرائيل الأرض المباركة مشارقها ومغاربها. قوله تعالى { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه } إلى آخر الآية. هذا إغراء منهم لفرعون وتحريض له أن يقتل موسى وقومه، ولذلك رد فرعون قولهم بأنه لا يهمنا قتلهم فإنا فوقهم قاهرون على أي حال بل سنعيد عليهم سابق عذابنا فنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم، ولو كان ما سألوا مطلق تعذيبهم غير القتل لم يقع قوله { وإنا فوقهم قاهرون } موقعه ذلك الوقوع. وقولهم { ويذرك وآلهتك } تأكيد لتحريضهم إياه على قتلهم، والمعنى أن موسى يتركك وآلهتك فلا يعبدكم مع ما يفسد هو وقومه في الأرض وفيه دلالة على أن فرعون كما كان يدعي الألوهية، ويستعبد الناس لنفسه كان يعبد آلهة أُخرى، وهو كذلك والتاريخ يثبت نظائر لذلك في الأمم السالفة، وقد نقل أن عظماء البيوت وسادات القوم في الروم وممالك أخرى غيرها كان يعبدهم مرؤسوهم من بيتهم وعشائرهم وهم أنفسهم كانوا يعبدون آباءهم الأولين وأصناماً أُخرى غيرهم كما يعبدهم ضعفاؤهم، وأيضاً بين الأرباب التي تعبدها الوثنية ما هو رب لغيره من الأرباب أو رب لرب آخر كربوبية الأب والأم للابن وغير ذلك. إلا أن قوله لقومه فيما حكاه الله سبحانهأنا ربكم الأعلى } النازعات 24، وقولهما علمت لكم من إله غيري } القصص 38 ظاهر في أنه كان لا يتخذ لنفسه رباً، وكان يأمر قومه أن لا يعبدوا إلا إياه، ولذلك قال بعضهم إنه كان دهرياً لا يعترف بصانع ويأمر قومه بترك عبادة الآلهة مطلقاً، وقصر العبادة فيه، ولذلك قرأ بعضهم - على ما قيل - { وإلهتك } بكسر الهمزة وفتح اللام وإثبات الألف بعدها كالعبادة وزناً ومعنى. لكن الأوجه أنه كان يريد بقوله { ما علمت لكم من إله غيري } نفى إله يخص قومه القبطيين يملكهم ويدبر أُمورهم غير نفسه كما هو المعهود من عقائد الوثنيين أن لكل صنف من أصناف الخلائق كالسماء والأرض والبر والبحر وقوم كذا، أو من أصناف الحوادث والأمور كالسلم والحرب والحب والجمال رباً على حدة، وإنما كانوا يعبدون من بينها ما يهمهم عبادته كعبادته سكان سواحل البحار رب البحر والطوفان. فمعنى كلامه أني أنا ربكم معاشر القبطيين لا ما اتخذه موسى وهو يدعي أنه ربكم أرسله إليكم، ويؤيد ما ذكرناه ما احتف به من القرينة بقوله { ما علمت لكم من إله غيري } فإنه تعالى يقولوقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8