الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِنْدَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ }

بيان آيات أُخر يذكرهم الله تعالى بها دالَّة على وحدانيته تعالى في الخلق والتدبير مقرونة بالإنذار والتخويف، جارية على غرض السورة وهو التذكرة بالوحدانية مع الإنذار غير أنه تعالى لما أشار إلى لجاجهم وعنادهم للحق في قوله السابق { بل لجّوا في عتوّ ونفور } غيَّر السياق بالإعراض عن خطابهم والالتفات إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمره أن يتصدّى لخطابهم ويقرع أسماعهم آياته في الخلق والتدبير الدالة على توحده في الربوبية وإنذارهم بعذاب الله، وذلك قوله { قل هو الذي أنشأكم } الخ، { قل هو الذي ذرأكم } الخ، { قل إنما العلم } الخ، { قل أرأيتم إن أهلكني الله } الخ، { قل هو الرحمن } الخ، { قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً } الخ. قوله تعالى { قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون } الإنشاء إحداث الشيء ابتداءً وتربيته. ما في ذيل الآية من لحن العتاب في قوله { قليلاً مَّا تشكرون } وقد تكرَّر نظيره في غير موضع من كلامه كما في سورة المؤمنون وألم السجدة يدلّ على أن إنشاءه تعالى الإنسان وتجهيزه بجهاز الحس والفكر من أعظم نعمه تعالى التي لا يقدّر قدرها. وليس المراد بإنشائه مجرد خلقه كيفما كان بل خلقه وإحداثه من دون سابقة في مادته كما أشار إليه في قوله يصف خلقه طوراً بعد طور { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة } إلى أن قالثم أنشأناه خلقاً آخر } المؤمنون 14، فصيرورة المضغة إنساناً سميعاً بصيراً متفكراً بتركيب النفس الإنسانية عليها خلق آخر لا يسانخ أنواع الخلقة المادية الواردة على مادة الإنسان من أخذها من الأرض ثم جعلها نطفة ثم علقة ثم مضغة فإنما هي أطوار مادية متعاقبة بخلاف صيرورتها إنساناً ذا شعور فلا سابقة لها تماثلها أو تشابهها فهو الإنشاء. ومثله قولهومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } الروم 20 انظر إلى موضع إذا الفجائية. فقوله { هو الذي أنشأكم } إشارة إلى خلق الإنسان. وقوله { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } إشارة إلى تجهيزه بجهاز الحسّ والفكر، والجعل إنشائي كجعل نفس الإنسان كما يشير إليه قولهوهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون } المؤمنون 78. فالإنسان بخصوصية إنشائه وكونه بحيث يسمع ويبصر يمتاز من الجماد والنبات - والاقتصار بالسمع والبصر من سائر الحواس كاللمس والذوق والشم لكونهما العمدة ولا يبعد أن يكون المراد بالسمع والبصر مطلق الحواس الظاهرة من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل - وبالفؤاد وهو النفس المتفكرة يمتاز من سائر الحيوان. وقوله { قليلاً ما تشكرون } أي تشكرون قليلاً على هذه النعمة - أو النعم - العظمى فما زائدة وقليلاً مفعول مطلق تقديره تشكرون شكراً قليلاً، وقيل ما مصدرية والمعنى قليلاً شكركم.

السابقالتالي
2 3