الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } * { ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } * { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } * { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } * { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } * { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

بيان في الآيات كرَّة بعد كرَّة بآيات التدبير الدالَّة على ربوبيته تعالى مقرونة بالإِنذار والتخويف أعني قوله { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً } الآية، وقوله { أولم يروا إلى الطير } الآية بعد قوله { الذي خلق الموت والحياة } الآية، وقوله { الذي خلق سبع سماوات } الآية، وقوله { ولقد زيَّنا } الآية. قوله تعالى { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور } الذلول من المراكب ما يسهل ركوبه من غير أن يضطرب ويجمح والمناكب جمع منكب وهو مجتمع ما بين العضد والكتف واستعير لسطح الأرض، قال الراغب واستعارته للأرض كاستعارة الظهر لها في قوله { ما ترك على ظهرها من دابة } وتسمية الأرض ذلولاً وجعل ظهورها مناكب لها يستقر عليها ويمشي فيها باعتبار انقيادها لأنواع التصرفات الإنسانية من غير امتناع، وقد وجّه كونها ذلولاً ذا مناكب بوجوه مختلفة تؤول جميعها إلى ما ذكرنا. والأمر في قوله { وكلوا من رزقه } للإباحة والنشور والنشر إحياء الميت بعد موته وأصله من نشر الصحيفة والثوب إذا بسطهما بعد طيّهما. والمعنى هو الذي جعل الأرض مطاوعة منقادة لكم يمكنكم أن تستقروا على ظهورها وتمشوا فيها تأكلون من رزقه الذي قدّره لكم بأنواع الطلب والتصرف فيها. وقوله { وإليه النشور } أي ويرجع إليه نشر الأموات بإخراجهم من الأرض وإحيائهم للحساب والجزاء، واختصاص رجوع النشر به كناية عن اختصاص الحكم بالنشور به والإحياء يوم القيامة فهو ربكم المدبّر لأمر حياتكم الدنيا بالإقرار على الأرض والهداية إلى مآرب الحياة، وله الحكم بالنشور للحساب والجزاء. وفي عدّ الأرض ذلولاً والبشر على مناكبها تلويح ظاهر إلى ما أدَّت إليه الأبحاث العلمية أخيراً من كون الأرض كرة سيَّارة. قوله تعالى { ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور } إنذار وتخويف بعد إقامة الحجة وتوبيخ على مساهلتهم في أمر الربوبية وإهمالهم أمر الشكر على نعم ربهم بالخضوع لربوبيته ورفض ما اختلقوه من الأنداد. والمراد بمن في السماء الملائكة المقيمون فيها الموكلون على حوادث الكون وإرجاع ضمير الإفراد إلى { من } باعتبار لفظه وخسف الأرض بقوم كذا شقها وتغييبهم في بطنها والمور على ما في المجمع التردد في الذهاب والمجيء مثل الموج. والمعنى ءأمنتم في كفركم بربوبيته تعالى الملائكة المقيمين في السماء الموكلين بأمور العالم أن يشقوا الأرض ويغيّبوكم فيها بأمر الله فإذا الأرض تضطرب ذهاباً ومجيئاً بزلزالها. وقيل المراد بمن في السماء هو الله سبحانه والمراد بكونه في السماء كون سلطانه وتدبيره وأمره فيها لاستحالة أن يكون تعالى في مكان أو جهة أو محاطاً بعالم من العوالم، وهذا المعنى وإن كان لا بأس به لكنه خلاف الظاهر.

السابقالتالي
2 3 4