الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } * { ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } * { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَٰطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ } * { وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } * { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } * { قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } * { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } * { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ }

بيان غرض السورة بيان عموم ربوبيته تعالى للعالمين تجاه قول الوثنية إن لكل شطر من العالم رباً من الملائكة وغيرهم وإنه تعالى رب الأرباب فقط. ولذا يعد سبحانه كثيراً من نعمه في الخلق والتدبير - وهو في معنى الاحتجاج على ربوبيته - ويفتتح الكلام بتباركه وهو كثرة صدور البركات عنه، ويكرر توصيفه بالرحمن وهو مبالغة في الرحمة التي هي العطية قبال الاستدعاء فقراً وفيها إنذار ينتهي إلى ذكر الحشر والبعث. وتتلخص مضامين آياتها في الدعوة إلى توحيد الربوبية والقول بالمعاد. والسورة مكية بشهادة سياق آياتها. قوله تعالى { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير } تبارك الشيء كثرة صدور الخيرات والبركات عنه. وقوله { الذي بيده الملك } يشمل باطلاقه كل ملك، وجعل الملك في يده استعارة بالكناية عن كمال تسلطه عليه وكونه متصرفاً فيه كيف يشاء كما يتصرف ذو اليد فيما بيده ويقلبه كيف يشاء فهو تعالى يملك بنفسه كل شيء من جميع جهاته، ويملك ما يملكه كل شيء. فتوصيفه تعالى بالذي بيده الملك أوسع من توصيفه بالمليك في قولهعند مليك مقتدر } القمر 55، وأصرح وآكد من توصيفه في قولهله الملك } التغابن 1. وقوله { وهو على كل شيء قدير } إشارة إلى كون قدرته غير محدودة بحد ولا منتهية إلى نهاية وهو لازم إطلاق الملك بحسب السياق، وإن كان إطلاق الملك وهو من صفات الفعل من لوازم إطلاق القدرة وهي من صفات الذات. وفي الآية مع ذلك إيماء إلى الحجة على إمكان ما سيأتي من أمر المعاد. قوله تعالى { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور } الحياة كون الشيء بحيث يشعر ويريد، والموت عدم ذلك لكن الموت على ما يظهر من تعليم القرآن انتقال من نشأة من نشآت الحياة إلى نشأة أخرى كما تقدم استفادة ذلك من قوله تعالى { نحن قدّرنا بينكم الموت } إلى قولهفيما لا تعلمون } الواقعة 61، فلا مانع من تعلق الخلق بالموت كالحياة. على أنه لو أُخذ عدمياً كما عند العرف فهو عدم ملكة الحياة وله حظ من الوجود يصحح تعلق الخلق به كالعمى من البصر والظلمة من النور. وقوله { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } غاية لخلقه تعالى الموت والحياة، والبلاء الامتحان والمراد أن خلقكم هذا النوع من الخلق وهو أنكم تحيون ثم تموتون خلق مقدميّ امتحاني يمتاز به منكم من هو أحسن عملاً من غيره ومن المعلوم أن الامتحان والتمييز لا يكون إلا لأمر ما يستقبلكم بعد ذلك وهو جزاء كل بحسب عمله. وفي الكلام مع ذلك إشارة إلى أن المقصود بالذات من الخلقة هو إيصال الخير من الجزاء حيث ذكر حسن العمل وامتياز من جاء بأحسنه فالمحسنون عملاً هم المقصودون بالخلقة وغيرهم مقصودون لأجلهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6