الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } * { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } * { رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }

بيان موعظة وإنذار وتبشير تؤكد التوصية بالتمسك بما شرَّع الله لهم من الأحكام ومن جملتها ما شرعه من أحكام الطلاق والعدة ولم يوص القرآن الكريم ولا أكد في التوصية في شيء من الأحكام المشرعة كما وصى وأكد في أحكام النساء، وليس إلا لأن لها نبأ. قوله تعالى { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً } قال الراغب العتو النبوء عن الطاعة انتهى. فهو قريب المعنى من الاستكبار، وقال النكر الدهاء والأمر الصعب الذي لا يعرف انتهى. والمراد بالنكر في الآية المعنى الثاني، وفي المجمع النكر المنكر الفظيع الذي لم يرَ مثله انتهى. والمراد بالقرية أهلها على سبيل التجوز كقولهواسأل القرية } يوسف 82، وفي قوله { عتت عن أمر ربها ورسله } إشارة إلى أنهم كفروا بالله سبحانه بالشرك وكفروا كفراً آخر برسله بتكذيبهم في دعوتهم. على أنهم كفروا بالله تعالى في ترك شرائعه المشرعة وكفروا برسله فيما أُمروا به بولايتهم لهم كما مر نظيره في قولهوأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين } التغابن 12. وشدة الحساب المناقشة فيه والاستقصاء لتوفية الأجر كما هو عليه، والمراد به حساب الدنيا غير حساب الآخرة والدليل على كونه حساب الدنيا قوله تعالىوما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } الشورى 30، وقولهولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون } الأعراف 96. فما يصيب الإنسان من مصيبة - وهي المصيبة في نظر الدين - هو حاصل محاسبة أعماله والله يعفو عن كثير منها بالمسامحة والمساهلة في المحاسبة غير أنه تعالى يحاسب العاتين المستكبرين عن أمره ورسله حساباً شديداً بالمناقشة والاستقصاء والتثريب فيعذبهم عذاباً نكراً. والمعنى وكم من أهل قرية عتوا واستكبروا عن أمر ربهم ورسله فلم يطيعوا الله ورسله فحاسبناها حساباً شديداً ناقشنا فيه واستقصيناه، وعذبناهم عذاباً صعباً غير معهود وهو عذاب الاستئصال في الدنيا. وما قيل إن المراد به عذاب الآخرة، والتعبير بالفعل الماضي للدلالة على تحقق الوقوع غير سديد. وفي قوله { فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها } التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير، ونكتته الدلالة على العظمة. قوله تعالى { فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراً } المراد بأمرها عتوَّها واستكبارها، والمعنى فأصابتهم عقوبة عتوهم وكان عاقبة عتوهم خساراً كأنهم اشتروا العتو بالطاعة فانتهى إلى أن خسروا. قوله تعالى { أعد الله لهم عذاباً شديداً } هذا جزاؤهم في الأخرى كما كان ما في قوله { فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً فذاقت وبال أمرها } جزاءهم في الدنيا. والفضل في قوله { أعدَّ الله لهم } الخ، لكونه في مقام دفع الدخل كأنه لما قيل { وكان عاقبة أمرها خسراً } ، قيل ما المراد بخسرهم؟ فقيل { أعدَّ الله لهم عذاباً شديداً }.

السابقالتالي
2 3 4