الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } * { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ }

بيان السورة ترغّب المؤمنين وتحرّضهم على أن يجاهدوا في سبيل الله ويقاتلوا أعداء دينه، وتنبّئهم أن هذا الدين نور ساطع لله سبحانه يريد الكفار من أهل الكتاب أن يطفئوه بأفواههم والله متمّه ولو كره الكافرون، ومظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وأن هذا النبي الذي آمنوا به رسول من الله أرسله بالهدى ودين الحق، وبشَّر به عيسى ابن مريم عليهما السلام بني إسرائيل. فعلى المؤمنين أن يشدُّوا العزم على طاعته وامتثال ما يأمرهم به من الجهاد ونصرة الله في دينه حتى يسعدهم الله في آخرتهم وينصرهم ويفتح لهم في دنياهم ويؤيدهم على أعدائهم. وعليهم أن لا يقولوا ما لا يفعلون ولا ينكصوا فيما يعدون فإن ذلك يستوجب مقتاً من الله تعالى وإيذاء الرسول وفيه خطر أن يزيغ الله قلوبهم كما فعل بقوم موسى عليه السلام لما آذوه وهم يعلمون أنه رسول الله إليهم والله لا يهدي القوم الظالمين. والسورة مدنية بشهادة سياق آياتها. قوله تعالى { سبَّح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم } تقدم تفسيره، وافتتاح الكلام بالتسبيح لما فيها من توبيخ المؤمنين بقولهم ما لا يفعلون وإنذارهم بمقت الله وإزاغته قلوب الفاسقين. قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } { لم } مخفف لما، و { ما } استفهامية، واللام للتعليل، والكلام مسوق للتوبيخ ففيه توبيخ المؤمنين على قولهم ما لا يفعلون ولا يصغى إلى قول بعض المفسرين أن المراد بالذين آمنوا هم المنافقون والتوبيخ لهم دون المؤمنين لجلالة قدرهم. وذلك لوفور الآيات المتضمنة لتوبيخهم ومعاتبتهم وخاصة في الآيات النازلة في الغزوات وما يلحق بها كاحُد والأحزاب وحنين وصلح الحديبية وتبوك والإنفاق في سبيل الله وغير ذلك، والصالحون من هؤلاء المؤمنين إنما صلحوا نفساً وجلّوا قدراً بالتربية الإلهية التي تتضمنها أمثال هذه التوبيخات والعتابات المتوجهة إليهم تدريجاً ولم يتصفوا بذلك من عند أنفسهم. ومورد التوبيخ وإن كان بحسب ظاهر لفظ الآية مطلق تخلف الفعل عن القول وخلف الوعد ونقض العهد وهو كذلك لكونه من آثار مخالفة الظاهر للباطن وهو النفاق لكن سياق الآيات وفيها قوله { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } وما سيأتي من قوله { يا أيها الذين آمنوا هل أدلّكم على تجارة } الخ، وغير ذلك يفيد أن متعلق التوبيخ كان هو تخلف بعضهم عما وعده من الثبات في القتال وعدم الانهزام والفرار أو تثاقلهم أو تخلفهم عن الخروج أو عدم الإنفاق في تجهز أنفسهم أو تجهيز غيرهم. قوله تعالى { كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } المقت البغض الشديد، والآية في مقام التعليل لمضمون الآية السابقة فهو تعالى يبغض من الإنسان أن يقول ما لا يفعله لأنه من النفاق، وأن يقول الإنسان ما لا يفعله غير أن لا يفعل ما يقوله فالأول من النفاق والثاني من ضعف الإرادة ووهن العزم وهو رذيلة منافية لسعادة النفس الإنسانية فإن الله بنى سعادة النفس الإنسانية على فعل الخير واكتساب الحسنة من طريق الاختيار ومفتاحه العزم والإرادة، ولا تأثير إلا للراسخ من العزم والإرادة، وتخلف الفعل عن القول معلول وهن العزم وضعف الإرادة ولا يرجى للإنسان مع ذلك خير ولا سعادة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8