الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ }

بيان دعوة للمؤمنين إلى الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيل الله ووعد جميل بالمغفرة والجنة في الآخرة وبالنصر والفتح في الدنيا، ودعوة لهم إلى أن يثبتوا على نصرهم لله ووعد جميل بالتأييد. والمعنيان هما الغرض الأقصى في السورة والآيات السابقة كالتوطئة والتمهيد بالنسبة إليهما. قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } الاستفهام للعرض وهو في معنى الأمر. والتجارة - على ما ذكره الراغب - التصرف في رأس المال طلباً للربح، ولا يوجد في كلام العرب تاء بعده جيم إلا هذه اللفظة. فقد أُخذ الإيمان والجهاد في الآية تجارة رأس مالها النفس وربحها النجاة من عذاب أليم، والآية في معنى قولهإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون } التوبة 111 إلى أن قالفاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به } التوبة 111. وقد فخم تعالى أمر هذه التجارة حيث قال { على تجارة } أي تجارة جليلة القدر عظيمة الشأن، وجعل الربح الحاصل منها النجاة من عذاب أليم لا يقدر قدره. ومصداق هذه النجاة الموعودة المغفرة والجنة، ولذا بدل ثانياً النجاة من العذاب من قوله { يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات } الخ، وأما النصر والفتح الموعودان فهما خارجان عن النجاة الموعودة، ولذا فصلهما عن المغفرة والجنة فقال { وأُخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب } فلا تغفل. قوله تعالى { تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم } الخ، استئناف بياني يفسر التجارة المعروضة عليهم كأنه قيل ما هذه التجارة؟ فقيل { تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون } الخ، وقد أخذ الإيمان بالرسول مع الإيمان بالله للدلالة على وجوب طاعته فيما أمر به وإلا فالإيمان لا يعد إيماناً بالله إلا مع الإيمان برسالة الرسول قال تعالىإن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله } إلى أن قال { أُولئك هم الكافرون حقاً } النساء 150-151. وقوله { ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } أي ما ذكر من الإيمان والجهاد خير لكم إن كنتم من أهل العلم وأما الجهلة فلا يعتد بأعمالهم. وقيل المراد تعلمون خيرية ذلك إن كنتم من أهل العلم والفقه. قوله تعالى { يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار } الخ، جواب للشرط المقدَّر المفهوم من الآية السابقة أي إن تؤمنوا بالله ورسوله وتجاهدوا في سبيله يغفر لكم، الخ. وقد أُطلقت الذنوب المتعلقة بها المغفرة فالمغفور جميع الذنوب والاعتبار يساعده إذ هذه المغفرة مقدمة الدخول في جنة الخلد ولا معنى لدخولها مع بقاء بعض الذنوب على حاله، ولعله للإشارة إلى هذه النكتة عقبها بقوله { ومساكن طيبة في جنات عدن } أي جنات ثبات واستقرار فكونها محل ثبات وموضع قرار يلوح أن المغفرة تتعلق بجميع الذنوب.

السابقالتالي
2 3