الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } * { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

بيان تذكر السورة موالاة المؤمنين لأعداء الله من الكفار وموادَّتهم وتشدّد النهي عن ذلك تفتتح به وتختتم وفيها شيء من أحكام النساء المهاجرات وبيعة المؤمنات، وكونها مدنية ظاهر. قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودَّة } الخ، سياق الآيات يدلّ على أن بعض المؤمنين من المهاجرين كانوا يسرُّون الموادَّة إلى المشركين بمكة ليحموا بذلك من بقي من أرحامهم وأولادهم بمكة بعد خروجهم أنفسهم منها بالمهاجرة إلى المدينة فنزلت الآيات ونهاهم الله عن ذلك، ويتأيد بهذا ما ورد أن الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة أسرَّ كتاباً إلى المشركين بمكة يخبرهم فيه بعزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الخروج إليها لفتحها، فعل ذلك ليكون يداً له عليهم يقي بها من كان بمكة من أرحامه وأولاده فأخبر الله بذلك نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ونزلت، وستوافيك قصته في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى. فقوله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } العدو معروف ويطلق على الواحد والكثير والمراد في الآية هو الكثير بقرينة قوله { أولياء } و { إليهم } وغير ذلك، وهم المشركون بمكة، وكونهم عدوه من جهة اتخاذهم له شركاء يعبدونهم ولا يعبدون الله ويردّون دعوته ويكذبون رسوله، وكونهم أعداء للمؤمنين لإيمانهم بالله وتفديتهم أموالهم وأنفسهم في سبيله فمن يعادي الله يعاديهم. وذكر عداوتهم للمؤمنين مع كفاية ذكر عداوتهم لله في سوق النهي لتأكيد التحذير والمنع كأنه قيل من كان عدواً لله فهو عدو لكم فلا تتخذوه وليّاً. وقوله { تلقون إليهم بالمودَّة } بالمودَّة مفعول { تلقون } والباء زائدة كما في قولهولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } البقرة 195، والمراد بإلقاء المودَّة إظهارها أو إيصالها، والجملة صفة أو حال من فاعل { لا تتخذوا }. وقوله { وقد كفروا بما جاءكم من الحق } هو الدين الحق الذي يصفه كتاب الله ويدعو إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والجملة حالية. وقوله { يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم } الجملة حالية والمراد بإخراج الرسول وإخراجهم اضطرارهم الرسول والمؤمنين إلى الخروج من مكة والمهاجرة إلى المدينة، و { أن تؤمنوا بالله ربكم } بتقدير اللام متعلق بيخرجون، والمعنى يجبرون الرسول وإياكم على المهاجرة من مكة لإيمانكم بالله ربكم. وتوصيف الله بقوله { ربكم } للإشارة إلى أنهم يؤاخذونهم على أمر حق مفروض ليس بجرم فإن إيمان الإنسان بربه مفروض عليه وليس من الجرم في شيء. وقوله { إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي } متعلق بقوله { لا تتخذوا } وجزاء الشرط محذوف يدل عليه المتعلق، و { جهاداً } مصدر مفعول له، و { ابتغاء } بمعنى الطلب و " المرضاة " مصدر كالرضى، والمعنى لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إن كنتم هاجرتم للمجاهدة في سبيلي ولطلب رضاي.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد