بيان الآيات إشارة إلى تكذيبهم الحق الذي أُرسل به الرسول وتماديهم في تكذيب الحق والاستهزاء بآيات الله سبحانه ثم موعظة لهم وتخويف وإنذار، وجواب عن بعض ما لغوا به في إنكار الحق الصريح. قوله تعالى { وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين } إشارة إلى أن سجية الاستكبار رسخت في نفوسهم فأنتجت فيهم الإِعراض عن الآيات الدالة على الحق فلا يلتفتون إلى آية من الآيات من غير تفاوت بين آية وآية لأنهم كذبوا بالأصل المقصود الذي هو الحق، وهو قوله تعالى { فقد كذبوا بالحق لما جاءهم }. قوله تعالى { فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون } تخويف وإنذار فإن الذي يستهزوءن به حق، والحق يأبى إلا أن يظهر يوماً ويخرج من حد النبأ إلى حد العيان قال تعالى{ ويمحوا الله الباطل ويحق الحق بكلماته } الشورى 24، وقال{ يريدون ليطفئُوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } الصف 8 - 9، وقال في مثل ضربه{ كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } الرعد 17. ومن المعلوم أن الحق إذا ظهر لم يستوفِ مساسه المؤمن والكافر، والخاضع والمستهزئ، قال تعالى{ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتولّ عنهم حتى حين وإبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين } الصافات 171 - 177. قوله تعالى { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } إلى آخر الآية، قال الراغب القرن القوم المقترنون في زمن واحد وجمعه قرون. انتهى. وقال أيضاً قال تعالى { وأرسلنا السماء عليهم مدراراً } { يرسل السماء عليكم مدراراً } وأصله من الدر - بالفتح - والدرة - بالكسر - أي اللبن، ويستعار ذلك للمطر استعارة أسماء البعير وأوصافه فقيل لله درّه ودرّ درّك، ومنه استعير قولهم غسوق درة أي نَفاق - بالفتح - انتهى. وفي قوله تعالى { مكناهم في الأرض ما لم نمكّن لكم } التفات من الغيبة إلى الحضور، والوجه فيه ظاهراً رفع اللبس من جهة مرجع الضمير فلولا الالتفات إلى الحضور في قوله { ما لم نمكن لكم } أوهم السياق رجوعه إلى ما يرجع إليه الضمير في قوله { مكنا لهم } وإلا فأصل السياق في مفتتح السورة للغيبة، وقد تقدم الكلام في الالتفات الواقع في قوله { هو الذي خلقكم من طين }. وفي قوله { فأهلكناهم بذنوبهم } دلالة على أن للسيئات والذنوب دخلاً في البلايا والمحن العامة، وفي هذا المعنى وكذا في معنى دخل الحسنات والطاعات في إفاضات النعم ونزول البركات آيات كثيرة.