الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ }

بيان اتصال الآيات بما قبلها واضح لا يحتاج إلى بيان فهي من تتمة حديث إبراهيم عليه السلام، والآيات وإن اشتملت على بعض الامتنان عليه وعلى من عدّ معه من الأنبياء كما هو ظاهر قوله تعالى { ووهبنا له إسحاق ويعقوب } وقوله { و كذلك نجزي المحسنين } وقوله { وكلاً فضلنا على العالمين } إلى غير ذلك لكنها ليست مسوقة لذلك فحسب كما يظهر من بعض المفسرين بل لبيان النعم الجسيمة والأيادي الجميلة الإِلهية التي يتعقبها التوحيد الفطري والاهتداء بالهداية الإِلهية. فإن ذلك هو الموافق لغرض هذه السورة التي تبين فيها مسألة التوحيد على ما تهدي إليه الفطرة التي فطر الناس عليها، وقد تقدم أن قصة إبراهيم عليه السلام بالنسبة إلى الآيات السابقة من السورة بمنزلة المثال المضروب لبيان عام. وفي سياق الآيات مضافاً إلى بيان التوحيد بيان أن عقيدة التوحيد محفوظة بين الناس في سلسلة متصلة ركبت حلقاتها بعضها على بعض بهداية إلهية وعناية خاصة ربانية حفظ الله بها الفطرة الإِلهية من أن تضيع بالأهواء الشيطانية، وتسقط رأساً من الفعلية فيبطل بذلك غرض الخلقة ويذهب سدى كما يشعر بذلك قوله { ووهبنا له } الخ. وقوله { ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته } الخ، وقوله { ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم } وقوله { فإن يكفر بها هؤلاء } الخ. وفي طي الآيات بيان ما تمتاز به الهداية الإِلهية من غيرها من الخصائص وهي الاجتباء واستقامة الصراط وإيتاء الكتاب والحكم والنبوة على ما سيجيء من البيان أن شاء الله. قوله تعالى { ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا } إسحاق هو ابن إبراهيم ويعقوب هو ابن إسحاق عليهما السلام، وقوله { كلاً هدينا } قدّم فيه كلاً للدلالة على أن الهداية الإِلهية تعلقت بكل واحد من المعدودين استقلالاً لا أنها تعلقت بعضهم استقلالاً كإبراهيم وبغيره بتبعه، فهو بمنزلة أن يقال هدينا إبراهيم وهدينا إسحاق وهدينا يعقوب. كما قيل. قوله تعالى { ونوحاً هدينا من قبل } فيه إشعار بأن سلسلة الهداية غير منقطعة ولا مبتدئة من إبراهيم عليه السلام بل كانت الرحمة قبله شاملة لنوح عليه السلام. قوله تعالى { ومن ذريته داود وسليمان } إلى قوله { وكذلك نجزي المحسنين } الضمير في { ذريته } راجع إلى نوح ظاهراً لأنه المرجع القريب لفظاً، ولأن في المعدودين من ليس هو من ذرية إبراهيم مثل لوط وإلياس، على ما قيل. وربما قيل إن الضمير يعود إلى إبراهيم عليه السلام وقد ذكر لوط وإلياس عليهما السلام من الذرية تغليباً قالووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب } العنكبوت 27 أو أن المراد بالذرية هم الستة المذكورون في هذه الآية دون الباقين، وأما قوله { وزكريا } الخ، وقوله { وإسماعيل } الخ، فمعطوفان على قوله ومن { ذريته } لا على قوله { داود } الخ، وهو بعيد من السياق.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد