الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } * { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } * { فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ } * { فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } * { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

بيان عشر آيات ذكر الله سبحانه فيها ما آتاه النبي العظيم ابراهيم عليه السلام من الحجة على المشركين بما هداه إلى توحيده وتنزيهه ثم ذكر هدايته أنبياءه بتطهير سرهم من الشرك، وقد سمى بينهم نوحاً عليه السلام وهو قبل إبراهيم عليه السلام وسته عشر نبياً من ذرية نوح عليهم السلام. والآيات في الحقيقة بيان لمصداق كامل من القيام بدين الفطرة والانتهاض لنشر عقيدة التوحيد والتنزيه عن شرك الوثنية وهو الذي انتهض له إبراهيم عليه السلام وحاج له على الوثنية حينما أطبقت الدنيا على الوثنية ظاهراً، ونسوا ما سنه نوح عليه السلام والتابعون له من ذريته الأنبياء من طريقة التوحيد فالآيات بما تشتمل عليه من تلقين الحجة والهداية إلى دين الفطرة كالتبصر لما تقدمها من الحجج التي لقنها الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه السورة بقوله قل كذا وقل كذا فقد كررت لفظة { قل } في هذه السورة الكريمة أربعين مرة نيف وعشرون منها قبل هذه الآيات فكأنه قيل واذكر فيما تقوله لقومك وتحاجهم به من أدلة التوحيد ونفي الشريك بتلقيننا إياك ما قاله إبراهيم لأبيه وقومه مما آتيناه من حجتنا على قومه بما كنا نريه من ملكوت السماوات والأرض فقد كان يحاجهم عن إفاضة إلهية عليه بالعلم والحكمة وإراءة منه تعالى لملكوته مبنية على اليقين لا عن فكرة تصنيعية لا تعدو حد التخيل والتصور، ولا تخلو عن التكلف والتعسف الذي لا تهتف به الفطرة الصافية. ولحن كلام إبراهيم عليه السلام فيما حكاه الله سبحانه في هذه الآيات إن تدبرنا فيها بأذهان خالية عن التفاصيل الواردة في الروايات والآثار على اختلافها الفاحش، غير مشوبة بالمشاجرات التي وقعت للباحثين من أهل التفسير على خلطهم تفسير الآيات بمضامين الروايات ومحتويات التواريخ وما اشتملت عليه التوراة وأُخرى تشايعها من الإِسرائيليات إلى غير ذلك، وبالجملة لحن كلامه عليه السلام في ما حكي عنه في هذه الآيات يشعر إشعاراً واضحاً بأنه كلام صادر عن ذهن صاف غير مملوء بزخارف الأفكار والأوهام المتنوعة أفرغته في قالب اللفظ فطرته الصافية بما عندها من أوائل التعقل والتفكير ولطائف الشعور والإِحساس. فالواقف في موقف النصفة من التدبر في هذه الآيات لا يشك أن كلامه المحكي عنه مع قومه أشبه شيء بكلام إنسان أولي فرضي عاش في سرب من أسراب الأرض أو كهف من كهوف الجبال لم يعاشر إلا بعض من يقوم بواجب غذائه ولباسه لم يشاهد سماء بزواهر نجومها و كواكبها، والبازغ من قمرها وشمسها، ولم يمكث في مجتمع إنساني بأفراده الجمة وبلاده الوسيعة، واختلاف أفكاره، وتشتت مقاصده ومآربه، وأنواع أديانه ومذاهبه، ثم ساقه الاتفاق أن دخل في واحد من المجتمعات العظيمة، وشاهد أُموراً عجيبة لا عهد له بها من أجرام سماوية، وأقطار أرضية، وجماعات من الناس عاكفين على مشاغلهم كادحين نحو مآربهم، ومقاصدهم، لا يصرفهم عن ذلك صارف بين متحرك وساكن، وعامل ومعمول له، وخادم ومخدوم، وآمر ومأمور، ورئيس ومرؤوس منكب على الكسب والعمل، ومتزهد متعبد يعبد الإِله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد