الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

بيان تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هفوات المشركين في أمر دعوته، وتطييب لنفسه بوعد النصر الحتمى، وبيان أن الدعوة الدينية إنما ظرفها الاختيار الإِنساني فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فالقدرة والمشيئة الإِلهية الحاتمتان لا تداخلان ذلك حتى تجبراهم على القبول، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى. قوله تعالى { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } إلى آخر الآية، { قد } حرف تحقيق في الماضي، وتفيد في المضارع التقليل وربما استعملت فيه أيضاً للتحقيق، وهو المراد في الآية، وحزنه كذا وأحزنه بمعنى واحد، وقد قرئ بكلا الوجهين. وقوله { فإنهم لا يكذبونك } قرئ بالتشديد من باب التفعيل، وبالتخفيف، والظاهر أن الفاء في قوله { فإنهم } للتفريع وكأن المعنى قد نعلم إن قولهم ليحزنك لكن لا ينبغي أن يحزنك ذلك فإنه ليس يعود تكذيبهم إليك لأنك لا تدعو إلا إلينا، وليس لك فيه إلا الرسالة بل هم يظلمون بذلك آياتنا ويجحدونها. فما في هذه الآية مع قوله في آخر الآيات { ثم إليه يرجعون } في معنى قوله تعالىومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور } لقمان 23 وقولهفلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون } يس 76 وغير ذلك من الآيات النازلة في تسليته صلى الله عليه له وسلم، هذا على قراءة التشديد. وأما على قراءة التخفيف فالمعنى لا تحزن فإنهم لا يظهرون عليك بإثبات كذبك فيما تدعو إليه، ولا يبطلون حجتك بحجة وإنما يظلمون آيات الله بجحدها وإليه مرجعهم. وقوله { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } كان ظاهر السياق أن يقال ولكنهم، فالعدول إلى الظاهر للدلالة على أن الجحد منهم إنما هو عن ظلم منهم لا عن قصور وجهل وغير ذلك فليس إلا عتواً وبغياً وطغياناً وسيبعثهم الله ثم إليه يرجعون. ولذلك وقع الالتفات في الكلام من التكلم إلى الغيبة فقيل { بآيات الله } ولم يقل بآياتنا، للدلالة على أن ذلك منهم معارضة مع مقام الألوهية واستعلاء عليه وهو المقام الذي لا يقوم له شيء. وقد قيل في تفسير معنى الآية وجوه أُخرى أحدها ما عن الأكثر أن المعنى لا يكذبونك بقلوبهم اعتقاداً، وإنما يظهرون التكذيب بأفواههم عناداً. وثانيها أنهم لا يكذبونك وإنما يكذبونني فإن تكذيبك راجع إلي ولست مختصاً به، وهذا الوجه غير ما قدمناه من الوجه وإن كان قريباً منه، والوجهان جميعاً على قراءة التشديد. وثالثها أنهم لا يصادفونك كاذباً تقول العرب قاتلناهم فما أجبناهم أي ما صادفناهم جبناء، والوجه ما تقدم. قوله تعالى { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا } إلى آخر الآية. هداية له صلى الله عليه وآله وسلم إلى سبيل من تقدمه من الأنبياء، وهو سبيل الصبر في ذات الله، وقد قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5