الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ } * { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } * { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } * { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

بيان تعود الآيات إلى أصل السياق وهو الحضور فتلتفت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخطاب فتذكر له مظالم المشركين في أُصول العقائد الطاهرة وهي التوحيد والاعتقاد بالنبوة والمعاد، و ذلك قوله تعالى { ومن أظلم } الخ، وقوله { ومنهم من يستمع إليك } الخ، وقوله { وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا } الخ. ثم تبين أن ذلك منهم أشد الظلم وإهلاك لأنفسهم وخسران لها، وتبين كيف تنعكس إليهم وتوافيهم هذه المظالم يوم القيامة فيكذبون على أنفسهم بإنكار ما قالوا في الدنيا ويتمنون الرجوع إلى الدنيا ليعملوا الصالحات، ويبدون التحسر على ما فرّطوا في جنب الله سبحانه. قوله تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته } الظلم من أشنع الذنوب بل التحليل الدقيق يقضى أن سائر الذنوب إنما هي شنيعة مذمومة بمقدار ما فيها من معنى الظلم، وهو الانحراف والخروج عن الوسط العدل. والظلم كما يكبر ويصغر من جهة خصوصيات من صدر عنه الظلم كذلك يختلف حاله بالكبر والصغر من جهة من وقع عليه الظلم أو أُريد إيقاعه عليه فكلما جل موقعه وعظم شأنه كان الظلم أكبر وأعظم، ولا أعز قدراً وأكرم ساحة من الله سبحانه ولا من آياته الدالة عليه فلا أظلم ممن ظلم هذه الساحة المنزهة أو ما ينتسب إليها بوجه، ولا يظلم إلا نفسه. وقد صدّق الله سبحانه هذه النظرة العقلية بقوله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته } أما افتراء الكذب. عليه تعالى فبإثبات الشريك له، ولا شريك له، أو دعوى النبوة أو نسبة حكم إليه كذباً وابتداعاً، وأما تكذيب آياته الدالة عليه فكتكذيب النبي الصادق في دعواه المقارنة للآيات الإِلهية أو إنكار الدين الحق، ومنه إنكار الصانع أصلاً. والآية تنطبق على المشركين، وهم أهل الأوثان الذين إليهم وجّه الاحتجاج من جهة أنهم أثبتوا لله سبحانه شركاء بعنوان أنهم شفعاء مصادر أمور في الكون، وإليهم ينتهي تدبير شؤون العالم مستقلين بذلك، ومن جهة أنهم أنكروا آياته تعالى الدالة على النبوة والمعاد. وربما أَلحق بعضهم بذلك القائلين بجواز شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الطاهرين من ذريته أو الأولياء الكرام من أمته فقضى بكون الاستشفاع بهم في شيء من حوائج الدنيا أو الآخرة شركاً تشمله الآية وما يناظرها من الآيات الشريفة. وكأنه خفي عليهم أنه تعالى إثبت الشفاعة إذا قارنت الإِذن في كلامه من غير أن يقيده بدنيا أو آخرة، فقال عز من قائلمن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } البقرة 255. على أنه تعالى قالولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد