الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

بيان فريق من الآيات تحتج على المشركين في أمر التوحيد والمعاد فالآيتان الأوليان تتضمنان البرهان على المعاد، وبقية الآيات وهى خمس مسوقة للتوحيد تقيم البرهان على ذلك من وجهين على ما سيأتي. قوله تعالى { قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله } شروع في البرهنة على المعاد، ومحصله أن الله تعالى مالك ما في السماوات والأرض جميعاً له أن يتصرف فيها كيف شاء وأراد، وقد اتصف سبحانه بصفة الرحمة وهي رفع حاجة كل محتاج وإيصال كل شيء إلى ما يستحقه وإفاضته عليه وعدة من عباده ومنهم الإِنسان صالحون لحياة خالدة مستعدون لأن يسعدوا فيها فهو بمقتضى ملكه ورحمته سيتصرف فيهم بحشرهم وإعطائهم ما يستحقونه البتة. فقوله تعالى { قل لمن ما في السماوات والأرض } الخ، يتضمن إحدى مقدمات الحجة وقوله { كتب على نفسه الرحمة } يتضمن مقدمة أخرى، وقوله { وله ما سكن في الليل والنهار } الخ، مقدمة أخرى ثالثة بمنزلة الجزء من الحجة. فقوله تعالى { قل لمن ما في السماوات والأرض } ألخ، يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسألهم عمن يملك السماوات والأرض وله التصرف فيها بما شاء من غير مانع يمنعه، وهو الله سبحانه من غير شك لأن غيره حتى الأصنام وأرباب الأصنام التي يدعوها المشركون هي كسائر الخلقة ينتهي خلقها وأمرها إليه تعالى فهو المالك لما في السماوات والأرض جميعاً. ولكون المسؤول عنه معلوماً بيناً عند السائل والمسؤول جميعاً والخصم معترف به لم يحتج إلى صدور الجواب عن الخصم واعترافه به بلسانه، وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكر هو الجواب ويتكفل ذلك لتتم الحجة من غير انتظار ما لجوابهم. والسؤال عن الخصم، ومباشرة السائل بنفسه الجواب كلاهما من السلائق البديعة الدائرة في سرد الحجج، يقول المنعم لمن أنعم عليه فكفر بنعمته من الذي أطعمك وسقاك وكساك؟ أنا الذي فعل ذلك بك ومنّ بها عليك وأنت تجازيني بالكفر. وبالجملة ثبت بهذا السؤال والجواب أن الله سبحانه هو المالك على الإِطلاق فله التصرف فيها بما شاء من إحياء ورزق وإماتة وبعث بعد الموت من غير أن يمنعه من ذلك مانع كدقة في العمل وموت وغيبة واختلال وغير ذلك. وبهذا تمت إحدى مقدمات الحجة فألحقها المقدمة الأخرى وهي قوله كتب على نفسه الرحمة. قوله تعالى { كتب على نفسه الرحمة } الكتابة هو الإِثبات والقضاء الحتم، وإذ كانت الرحمة - وهي إفاضة النعمة على مستحقها وإيصال الشيء إلى سعادته التي تليق به - من صفاته تعالى الفعلية صح أن ينسب ألى كتابته تعالى، والمعنى أوجب على نفسه الرحمة وإفاضه النعم وانزال الخير لمن يستحقه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9