الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

بيان الآيات ختام السورة وهي تحتوي على خلاصة الغرض من دعوته صلى الله عليه وآله وسلم في السورة وأنه متلبس بالعمل بما يدعو إليه، وفيها خلاصة الحجج التي أقيمت فيها لإِبطال عقيدة الشرك. قوله تعالى { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم } إلى آخر الآيتين. القيم بالكسر فالفتح مخفف القيام وصف به الدين للمبالغة في قيامه على مصالح العباد، وقيل وصف بمعنى القيّم على الأمر. يأمر الله سبحانه أن يخبرهم بأن ربه الذي يدعو إليه هداه بهداية إلهية إلى صراط مستقيم وسبيل واضح قيّم على سالكيه لا تخلف فيه ولا اختلاف ديناً قائماً على مصالح الدنيا والآخرة أحسن القيام - لكونه مبنياً على الفطرة - ملة إبراهيم حنيفاً مائلاً عن التطرف بالشرك إلى اعتدال التوحيد وما كان من المشركين، وقد تقدم توضيح هذه المعاني في تفسير الآيات السابقة من السورة. قوله تعالى { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله } إلى قوله { أول المسلمين } النسك مطلق العبادة، وكثر استعماله في الذبح أو الذبيحة تقرباً إلى الله سبحانه. أمره صلى الله عليه وآله وسلم ثانياً أن يخبرهم بأنه عامل بما هداه الله إليه متلبس به كما أنه مأمور بذلك ليكون أبعد من التهمة عندهم وأقرب إلى تلقيهم بالقبول فإن من إمارة الصدق أن يعمل الإِنسان بما يندب إليه، ويطابق فعله قوله. فقال قل إنني جعلت صلاتي ومطلق عبادتي - واختصت الصلاة بالذكر استقلالاً لمزيد العناية بها منه تعالى - ومحياي بجميع ما له من الشؤون الراجعة إلى من أعمال وأوصاف وأفعال وتروك، ومماتي بجميع ما يعود إلي من أموره وهي الجهات التي ترجع منه إلى الحياة - كما قال كما تعيشون تموتون - جعلتها كلها لله رب العالمين من غير أن أُشرك به فيها أحداً فأنا عبد في جميع شؤوني في حياتي ومماتي لله وحده وجهت وجهي إليه لا أقصد شيئاً ولا أتركه إلا له ولا أسير في مسير حياتي ولا أرد مماتي إلا له فإنه رب العالمين، يملك الكل ويدبر أمرهم. وقد أُمرت بهذا النحو من العبودية، وأنا أول المسلمين لله فيما أراده من العبودية التامة في كل باب وجهة. ومن هنا يظهر أن المراد بقوله { إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله } إظهار الإِخلاص العبودي أو إنشاؤه فيما يرجع إليه من شؤون العبادة والحياة والموت دون الإِخبار عن الإِخلاص في العبادة والاعتقاد بأن مالك الموت والحياة هو الله تعالى، والدليل على ما ذكرنا قوله { وبذلك أمرت } فظاهر أنه أُمر بجعل الجميع لله سبحانه بمعنى واحد لا بجعل الأولين له إخلاصاً وتسليماً والاعتقاد بأن الأخيرين له إلا بتكلف.

السابقالتالي
2 3