الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

بيان الآيات متصلة بما قبلها وهي تتضمن تهديد من استنكف من المشركين عن الصراط المستقيم وتفرق شيعاً، وتبرئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المفرقين دينهم، ووعداً حسناً لمن جاء بالحسنة وإنجازاً للجزاء. قوله تعالى { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك } استفهام إنكاري في مقام لا تنفع فيه عظة ولا تنجح فيه دعوة فالأمور المذكورة في الآية لا محالة أُمور لا تصحب إلا القضاء بينهم بالقسط والحكم الفصل بإذهابهم وتطهير الأرض من رجسهم. ولازم هذا السياق أن يكون المراد بإتيان الملائكة نزولهم بآية العذاب كما يدل عليه قوله تعالىوقالوا يا أيها الذي نزّل عليه الذكر إنك لمجنون، لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين، ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذاً منظرين } الحجر 6 - 8. ويكون المراد بإتيان الرب هو يوم اللقاء وهو الانكشاف التام لآية التوحيد بحيث لا يبقى عليه ستر كما هو شأن يوم القيامة المختص بانكشاف الغطاء، والمصحح لإِطلاق الإِتيان على ذلك هو الظهور بعد الخفاء والحضور بعد الغيبة جل شأنه عن الاتصاف بصفات الأجسام. وربما يقال إن المراد إتيان أمر الرب وقد مر نظيره في قوله تعالىهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام } البقرة 210 في الجزء الثاني من الكتاب. ويكون المراد بإتيان بعض آيات الرب إتيان آية تلازم تبدّل نشأة الحياة عليهم بحيث لا سبيل إلى العود إلى فسحة الاختيار كآية الموت التي تبدّل نشأة العمل نشأة الجزاء البرزخي أو تلازم استقرار ملكة الكفر والجحود في نفوسهم استقراراً لا يمكنهم معه الإِذعان بالتوحيد والإِقبال بقلوبهم إلى الحق إلا ما كان بلسانهم خوفاً من شمول السخط والعذاب كما ربما دل عليه قوله تعالىوإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } النمل 82. وكذا قوله تعالىويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين، قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون } السجدة 28 - 29 فإن الظاهر أن المراد بالفتح هو الفتح للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقضاء بينه وبين أُمته بالقسط كما حكاه الله تعالى عن شعيب عليه السلام في قولهربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين } الأعراف 89 وحكاه عن رسله في قولهواستفتحوا وخاب كل جبار عنيد } إبراهيم 15. أو تلازم بأساً من الله تعالى لا مرد له ولا محيص عنه فيضطرهم الله الإِيمان ليتقوا به أليم العذاب لكن لا ينفعهم ذلك فلا ينفع من الإِيمان إلا ما كان عن اختيار كما يدل عليه قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6