الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }

بيان تبين الآيات المحرمات العامة التي لا تختص بشريعة من الشرائع الإِلهية، وهي الشرك بالله، وترك الإِحسان بالوالدين، واقتراف الفواحش، وقتل النفس المحترمة بغير حق ويدخل فيه قتل الأولاد خشية إملاق واقتراب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن وعدم إيفاء الكيل والميزان بالقسط، والظلم في القول، وعدم الوفاء بعهد الله، واتباع غير سبيل الله المؤدي إلى الاختلاف في الدين. ومن شواهد أنها شرائع عامة أنا نجدها فيما نقله الله سبحانه من خطابات الأنبياء أُممهم في تبليغاتهم الدينية كالذي نقل من نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى وعيسى وغيرهم عليهم السلام، وقد قال تعالىشرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } الشورى 13 ومن ألطف الإِشارة التعبير عما أُوتى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام بالتوصية ثم التعبير في هذه الآيات الثلاث التي تقص أصول المحرمات الإِلهية أيضاً بالتوصية حيث قال { ذٰلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } { ذٰلكم وصاكم به لعلكم تذكرون } { ذٰلكم وصاكم به لعلكم تتقون }. على أن التأمل فيها يعطي أن الدين الإِلهي لا يتم أمره ولا يستقيم حاله بدون شيء منها وإن بلغ من الإِجمال والبساطة ما بلع وبلغ الإِنسان المنتحل به من السذاجة ما بلغ. قوله تعالى { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً } قيل تعال مشتق من العلو وهو أمر بتقدير أن الأمر في مكان عال وإن لم يكن الأمر على ذلك بحسب الحقيقة، والتلاوة قريب المعنى من القراءة، وقوله { عليكم } متعلق بقوله { أتل } أو قوله { حرم } على طريق التنازع في المتعلق، وربما قيل إن { عليكم } اسم فعل بمعنى خذوا وقوله { أن لا تشركوا } معموله والنظم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً وبالولدين إحساناً " الخ " ، وهو خلاف ما يسبق إلى الذهن من السياق. ولما كان قوله { تعالوا أتل ما حرم } الخ، دعوة إلى التلاوة وضع في الكلام عين ما جاء به الوحي في مورد المحرمات من النهي في بعضها والأمر بالخلاف في بعضها الآخر فقال { أن لا تشركوا به شيئاً } كما قال { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } { ولا تقربوا الفواحش } الخ، وقال { وبالوالدين إحساناً } كما قال { وأوفوا الكيل والميزان } { وإذا قلتم فاعدلوا } الخ. وقد قدم الشرك على سائر المحرمات لأنه الظلم العظيم الذي لا مطمع في المغفرة الإِلهية معه قالإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء 116 وإليه ينتهي كل معصيه كما ينتهي إلى التوحيد بوجه كل حسنة. قوله تعالى { وبالوالدين إحساناً } أي أحسنوا بالوالدين إحساناً، وفي المجمع أي وأوصى بالوالدين إحساناً، ويدل على ذلك أن في " حرم كذا " معنى أوصى بتحريمه وأمر بتجنبه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10