الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } * { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } * { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

بيان قوله تعالى { أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } الآية واضحة المعنى وهي بحسب ما يسبق إلى الفهم البسيط الساذج مثل مضروب لكل من المؤمن والكافر يظهر بالتدبر فيه حقيقة حاله في الهدى والضلال. فالإِنسان قبل أن يمسه الهدى الإِلهي كالميت المحروم من نعمة الحياة الذي لا حس له ولا حركة فإن آمن بربه إيماناً يرتضيه كان كمن أحياه الله بعد موته، وجعل له نوراً يدور معه حيث دار يبصر في شعاعه خيره من شره ونفعه من ضره فيأخذ ما ينفعه ويدع ما يضره وهكذا يسير في مسير الحياة. وأما الكافر فهو كمن وقع في ظلمات لا مخرج له منها ولا مناص له عنها ظلمة الموت وما بعد ذلك من ظلمات الجهل في مرحلة تمييز الخير من الشر والنافع من الضار، ونظير هذه الآية في معناها بوجه قوله تعالىإنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله } الأنعام 36 وقال تعالىمن عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } النحل 97. ففي الكلام استعارة الموت للضلال واستعارة الحياة للإِيمان أو الاهتداء والإِحياء للهداية إلى الإِيمان والنور للتبصر بالأعمال الصالحة، والظلمة للجهل كل ذلك في مستوى التفهيم والتفهّم العموميّين لما أن أهل هذا الظرف لا يرون للإِنسان بما هو إنسان حياة وراء الحياة الحيوانية التي هي المنشأ للشعور باللذائذ المادية والحركة الإِرادية نحوها. فهؤلاء يرون أن المؤمن والكافر لا يختلفان في هذه الموهبة وهي فيهما شرع سواء فلا محالة عد المؤمن حياً بحياة الإِيمان ذا نور يمشي به في الناس، وعد الكافر ميتاً بميتة الضلال في ظلمات لا مخرج منها ليس إلا مبتنياً على عناية تخيلية واستعارة تمثيلية يمثل بها حقيقة المعنى المقصود. لكن التدبر في أطراف الكلام والتأمل فيما يعرّفه القرآن الكريم يعطي للآية معنى وراء هذا الذي يناله الفهم العامي فإن الله سبحانه ينسب للإِنسان الإِلهي في كلامه حياة خالدة أبدية لا تنقطع بالموت الدنيوي هو فيها تحت ولاية الله محفوظ بكلاءته مصون بصيانته لا يمسه نصب ولا لغوب، ولا يذله شقاء ولا تعب، مستغرب في حب ربه مبتهج ببهجة القرب لا يرى إلا خيراً، ولا يواجه إلا سعادة وهو في أمن وسلام لا خوف معه ولا خطر، وسعادة وبهجة ولذة لا نفاذ لها ولا نهاية لأمدها. ومن كان هذا شأنه فإنه يرى ما لا يراه الناس، ويسمع ما لا يسمعونه، ويعقل ما لا يعقلونه، ويريد ما لا يريدونه، وإن كانت ظواهر أعماله وصور حركاته وسكناته تحاكي أعمال غيره وحركاتهم وسكناتهم وتشابهها فله شعور وإرادة فوق ما لغيره من الشعور والإِرادة فعنده من الحياة التي هي منشأ الشعور والإِرادة ما ليس عند غيره من الناس فللمؤمن مرتبة من الحياة ليست عند غيره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد