الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } * { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } * { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

بيان اتصال الآيات بما قبلها واضح لا غبار عليه، والكلام مسرود في التوحيد. قوله تعالى { اتبع ما أُوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين } أمر باتباع ما أُوحي إليه من ربه من أمر التوحيد وأُصول شرائع الذين من غير أن يصده ما يشاهده من استكبار المشركين عن الخضوع لكلمة الحق والإِعراض عن دعوة الدين. وفي قوله { من ربك } المشعر بمزيد الاختصاص تلويح إلى شمول العناية الخاصة الإِلهية إلا أن قوله { من ربك } لما كان ملحوقاً بقوله { وأعرض عن المشركين } وكان ذلك ربما يوهم أن المراد اتبع الوحي واعبد ربك، وأعرض عنهم يعبدوا أربابهم، ولا يخلو ذلك عن إمضاء لطريقتهم وشركهم قدم على قوله { وأعرض } الخ، قوله { لا إله إلا هو } ليندفع به هذا الوهم، ويجلو معنى قوله { وأعرض } الخ، ويأخذ موضعه. فالمعنى اتبع ما أُوحي إليك من ربك الذي له العناية البالغة بك والرحمة المشتملة عليك إذ خصك بوحيه وأيدك بروح الاتباع، وأعرض عن هؤلاء المشركين لا بأن تدعهم وما يعبدون وتسكت راضياً بما يشركون فيكون ذلك إمضاء للوثنية فإنما الإِله واحد وهو ربك الذي يوحي إليك لا إله إلا هو بل أن تعرض عنهم فلا تجهد نفسك في حملهم على التوحيد ولا تتحمل شقاً فوق طاقتك فإنما عليك البلاغ ولست عليهم بحفيظ ولا وكيل، وإنما الحفيظ الوكيل هو الله ولم يشأ لهم التوحيد ولو شاء ما أشركوا لكنه تركهم وضلالهم لأنهم أعرضوا عن الحق واستنكفوا عن الخضوع له. قوله تعالى { ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل } تطييب لقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يجد لشركهم ولا يحزن لخيبة المسعى في دعوتهم فإنهم غير معجزين لله فيما أشركوا فإنما المشيئة لله لو شاء ما أشركوا بل تلبسوا بالإِيمان عن طوع ورغبة كما تلبس من وفق للإِيمان، وذلك أنهم استكبروا في الأرض واستعلوا على الله ومكروا به وقد أهلكوا بذلك أنفسهم فرد الله مكرهم إليهم وحرمهم التوفيق للإِيمان والاهتداء إذ كما أن السنة الجارية في التكوين هي سنة الأسباب وقانون العلية والمعلولية العام، والمشيئة الإِلهية إنما تتعلق بالأشياء وتقع على الحوادث على وفقها فما تمت فيه العلل والشرائط وارتفعت عن وجوده الموانع كان هو الذي تتعلق بتحققه المشيئة الإِلهية وإن كان الله سبحانه له فيه المشيئة مطلقاً إن لم يشأه لم يكن وإن شاء كان، كذلك السنة في نظام التشريع والهداية هي سنة الأسباب فمن استرحم الله رحمه ومن أعرض عن رحمته حرمه، والهداية بمعنى إراءة الطريق تعم الجميع فمن تعرض لهذه النفحة الإِلهية ولم يقطع طريق وصولها إليه بالفسق والكفر والعناد شملته وأحيته بأطيب الحياة، ومن اتبع هواه وعاند الحق واستعلى على الله وأخذ يمكر بالله، ويستهزئ بآياته حرمه الله السعادة وأنزل الله عليه الشقوة وأضله على علم وطبع عليه بالكفر فلا ينجو أبداً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد