الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

بيان تتعرض السورة لمعانٍ متنوعة من حكم وأدب وصفة فشطر منها في حكم الظهار والنجوى وأدب الجلوس في المجالس وشطر منها يصف حال الذين يحادّون الله ورسوله، والذين يوادّون أعداء الدين ويصف الذين يتحرَّزون من موادَّتهم من المؤمنين ويعدهم وعداً جميلاً في الدنيا والآخرة. والسورة مدنية بشهادة سياق آياتها. قوله تعالى { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما } الخ، قال في المجمع الاشتكاء إظهار ما بالإنسان من مكروه، والشكاية إظهار ما يصنعه به غيره من المكروه. قال والتحاور التراجع وهي المحاورة يقال حاوره محاورة أي راجعه الكلام وتحاورا. انتهى. الآيات الأربع أو الست نزلت في الظهار وكان من أقسام الطلاق عند العرب الجاهلي كان الرجل يقول لامرأته أنت مني كظهر أُمي فتنفصل عنه وتحرم عليه مؤبدة وقد ظاهر بعض الأنصار من امرأته ثم ندم عليه فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسائله فيه لعلها تجد طريقاً إلى رجوعه إليها وتجادله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وتشتكي إلى الله فنزلت الآيات. والمراد بالسمع في قوله { قد سمع الله } استجابة الدعوة وقضاء الحاجة من باب الكناية وهو شائع، والدليل عليه قوله { تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } الظاهر في أنها كانت تتوخى طريقاً إلى أن لا تنفصل عن زوجها، وأما قوله { والله يسمع تحاوركما } فالسمع فيه بمعناه المعروف. والمعنى قد استجاب الله للمرأة التي تجادلك في زوجها - وقد ظاهر منها - وتشتكي غمّها وما حلَّ بها من سوء الحال إلى الله والله يسمع تراجعكما في الكلام إن الله سميع للأصوات بصير بالمبصرات. قوله تعالى { الذين يظاهرون من نسائهم ما هن أُمهاتهم إن أُمهاتهم إلا اللائي ولدنهم } الخ، نفي لحكم الظهار المعروف عندهم وإلغاء لتأثيره بالطلاق والتحريم الأبدي بنفي أُمومة الزوجة للزوج بالظهار فإن سنة الجاهلية كانت تلحق الزوجة بالأم بسبب الظهار فتحرم على زوجها حرمة الأم على ولدها حرمة مؤبدة. فقوله { ما هن أُمهاتهم } أي بحسب اعتبار الشرع بأن يلحقن شرعاً بهن بسبب الظهار فيحرمن عليهم أبداً ثم أكده بقوله { إن أُمهاتهم إلا اللائي ولدنهم } أي ليس أُمهات أزواجهن إلا النساء اللاتي ولدنهم. ثم أكد ذلك ثانياً بقوله { وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً } بما فيه من سياق التأكيد أي وإن هؤلاء الأزواج المظاهرين ليقولون بالظهار منكراً من القول ينكره الشرع حيث لم يعتبره ولم يسنه، وكذبا باعتبار أنه لا يوافق الشرع كما لا يطابق الخارج الواقع في الكون فأفادت الآية أن الظهار لا يفيد طلاقاً وهذا لا ينافي وجوب الكفارة عليه لو أراد المواقعة بعد الظهار فالزوجية على حالها وإن حرمت المواقعة قبل الكفارة.

السابقالتالي
2 3 4