الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ } * { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } * { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ }

بيان جري على وفق مقصد الكلام السابق وهو الحثّ والترغيب في الإيمان بالله ورسوله والإنفاق في سبيل الله وتتضمن عتاب المؤمنين على ما يظهر من علائم قسوة القلوب منهم، وتأكيد الحث على الإنفاق ببيان درجة المنفقين عند الله والأمر بالمسابقة إلى المغفرة والجنة وذم الدنيا وأهلها الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل. وقد تغير السياق خلال الآيات إلى سياق عام يشمل المسلمين وأهل الكتاب بعد اختصاص السياق السابق بالمسلمين وسيجيء توضيحه. وقوله تعالى { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق } إلى آخر الآية، يقال أنى يأني انيّ وإناء أي جاء وقته، وخشوع القلب تأثره قبال العظمة والكبرياء، والمراد بذكر الله ما يذكر به الله، وما نزل من الحق هو القرآن النازل من عنده تعالى و { من الحق } بيان لما نزل، ومن شأن ذكر الله تعالى عند المؤمن أن يعقب خشوعاً كما أن من شأن الحق النازل من عنده تعالى أن يعقب خشوعاً ممن آمن بالله ورسله. وقيل المراد بذكر الله وما نزل من الحق جميعاً القرآن، وعلى هذا فذكر القرآن بوصفيه لكون كل من الوصفين مستدعياً لخشوع المؤمن فالقرآن لكونه ذكر الله يستدعي الخشوع كما أنه لكونه حقاً نازلاً من عنده تعالى يستدعي الخشوع. وفي الآية عتاب للمؤمنين على ما عرض لقلوبهم من القسوة وعدم خشوعها لذكر الله والحق النازل من عنده تعالى وتشبيه لحالهم بحال أهل الكتاب الذين نزل عليهم الكتاب وطال عليهم الأمد فقست قلوبهم. وقوله { ولا يكونوا كالذين أُوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم } عطف على قوله { تخشع } الخ، والمعنى ألم يأن لهم أن تخشع قلوبهم وأن لا يكونوا الخ، والأمد الزمان، قال الراغب الفرق بين الزمان والأمد أن الأمد يقال باعتبار الغاية والزمان عام في المبدأ والغاية ولذلك قال بعضهم إن المدى والأمد يتقاربان. انتهى. وقد أشار سبحانه بهذا الكلام إلى صيرورة قلوبهم كقلوب أهل الكتاب القاسية والقلب القاسي حيث يفقد الخشوع والتأثر عن الحق ربما خرج عن زيّ العبودية فلم يتأثر عن المناهي واقترف الإثم والفسوق، ولذا أردف قوله { فقست قلوبهم } بقوله { وكثير منهم فاسقون }. قوله تعالى { اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها } إلى آخر الآية في تعقيب عتاب المؤمنين على قسوة قلوبهم بهذا التمثيل تقوية لرجائهم وترغيب لهم في الخشوع. ويمكن أن يكون من تمام العتاب السابق ويكون تنبيهاً على أن الله لا يخلي هذا الدين على ما هو عليه من الحال بل كلما قست قلوب وحرموا الخشوع لأمر الله جاء بقلوب حيَّة خاشعة له يعبد بها كما يريد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7