الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } * { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } * { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

بيان أمر مؤكد بالإنفاق في سبيل الله وخاصة الجهاد على ما يؤيده قوله { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } الآية، ويتأيد بذلك ما قيل إن قوله { آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا } الخ، نزل في غزوة تبوك. قوله تعالى { آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } الخ، المستفاد من سياق الآيات أن الخطاب في الآية للمؤمنين بالله ورسوله لا للكفار ولا للمؤمنين والكفار جميعاً كما قيل، وأمر الذين تلبَّسوا بالإيمان بالله ورسوله بالإيمان معناه الأمر بتحقيق الإيمان بترتيب آثاره عليه إذ لو كانت صفة من الصفات كالسخاء والعفة والشجاعة ثابتة في نفس الإنسان حقَّ ثبوتها لم يتخلف عنها أثرها الخاص ومن آثار الإيمان بالله ورسوله الطاعة فيما أمر الله ورسوله به. ومن هنا يظهر أولاً أن أمر المؤمن بالإيمان في الحقيقة أمر للمتحقق بمرتبة من الإيمان أن يتلبس بمرتبة هي أعلى منها، وهذا النوع من الأمر فيه إيماء إلى أن الذي عند المأمور من المأمور به لا يرضي الآمر كل الإرضاء. وثانياً أن قوله { آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا } أمر بالإنفاق مع التلويح إلى أنه أثر صفة هم متلبسون بها فعليهم أن ينفقوا لما اتصفوا بها فيؤول إلى تعليل الإنفاق بإيمانهم. وقوله { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } استخلاف الإنسان جعله خليفة، والمراد به إما خلافتهم عن الله سبحانه يخلفونه في الأرض كما يشير إليه قولهإني جاعل في الأرض خليفة } البقرة 30، والتعبير عما بأيديهم من المال بهذا التعبير لبيان الواقع ولترغيبهم في الإنفاق فإنهم إذا أيقنوا أن المال لله وهم مستخلفون عليه وكلاء من ناحيته يتصرفون فيه كما أذن لهم سهل عليهم إنفاقه ولم تتحرَّج نفوسهم من ذلك. وإما خلافتهم عمن سبقهم من الأجيال كما يخلف كل جيل سابقه، وفي التعبير به أيضاً ترغيب في الإنفاق فإنهم إذا تذكروا أن هذا المال كان لغيرهم فلم يدم عليهم علموا أنه كذلك لا يدوم لهم وسيتركونه لغيرهم وهان عليهم إنفاقه وسخت بذلك نفوسهم. وقوله { فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير } وعد للأجر على الإنفاق تأكيداً للترغيب، والمراد بالإيمان الإيمان بالله ورسوله. قوله تعالى { وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم } الخ، المراد بالإِيمان الإِيمان بحيث يترتب عليه آثاره ومنها الإِنفاق في سبيل الله - وإن شئت فقل المراد ترتيب آثار ما عندهم من الإِيمان عليه -. وقوله { والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم } عبّر الرب بالرب وأضافه إليهم تلويحاً إلى علة توجه الدعوة والأمر كأنه قيل يدعوكم لتؤمنوا بالله لأنه ربكم يجب عليكم أن تؤمنوا به. وقوله { وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين } تأكيد للتوبيخ المفهوم من أول الآية، وضمير " أخذ " لله سبحانه أو للرسول وعلى أي حال المراد بالميثاق المأخوذ هو الذي تدل عليه شهادتهم على وحدانية الله ورسالة رسوله يوم آمنوا به صلى الله عليه وآله وسلم من أنهم على السمع والطاعة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7