الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } * { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } * { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } * { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } * { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } * { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } * { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } * { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ }

بيان تصف السورة القيامة الكبرى التي فيها بعث الناس وحسابهم وجزاؤهم فتذكر أولاً شيئاً من أهوالها مما يقرب من الإنسان والأرض التي يسكنها فتذكر تقليبها للأوضاع والأحوال بالخفض والرفع وارتجاج الأرض وانبثاث الجبال وتقسم الناس إلى ثلاثة أزواج إجمالاً ثم تذكر ما ينتهي إليه حال كل من الأزواج السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال. ثم تحتج على أصحاب الشمال المنكرين لربوبيته وللبعث المكذبين بالقرآن الداعي إلى التوحيد والإيمان بالبعث. ثم تختم الكلام بذكر الاحتضار بنزول الموت وانقسام الناس إلى ثلاثة أزواج. والسورة مكية بشهادة سياق آياتها. قوله تعالى { إذا وقعت الواقعة } وقوع الحادثة هو حدوثها، والواقعة صفة توصف بها كل حادثة، والمراد بها ها هنا واقعة القيامة وقد أُطلقت إطلاق الأعلام كأنها لا تحتاج إلى موصوف مقدر ولذا قيل إنها من أسماء القيامة في القرآن كالحاقَّة والقارعة والغاشية. والجملة { إذا وقعت الواقعة } مضمنة معنى الشرط ولم يذكر جزاء الشرط إعظاماً له وتفخيماً لأمره وهو على أي حال أمر مفهوم مما ستصفه السورة من حال الناس يوم القيامة، والتقدير نحو من قولنا فاز المؤمنون وخسر الكافرون. قوله تعالى { ليس لوقعتها كاذبة } قال في المجمع الكاذبة مصدر كالعافية والعاقبة. انتهى. وعليه فالمعنى ليس في وقعتها وتحققها كذب، وقيل كاذبة صفة محذوفة الموصوف والتقدير ليس لوقعتها قضية كاذبة. قولة تعالى { خافضة رافعة } خبران مبتدأهما الضمير الراجع إلى الواقعة، والخفض خلاف الرفع وكونها خافضة رافعة كناية عن تقليبها نظام الدنيا المشهود فتظهر السرائر وهي محجوبة اليوم وتحجب وتستر آثار الأسباب وروابطها وهي ظاهرة اليوم وتذلّ الأعزَّة من أهل الكفر والفسق وتعزّ المتقين. قوله تعالى { إذا رُجَّت الأرض رجّاً } الرجّ تحريك الشيء تحريكاً شديداً إشارة إلى زلزلة الساعة التي يعظمها الله سبحانه في قولهإن زلزلة الساعة شيء عظيم } الحج 1، وقد عظمها في هذه الآية حيث عبّر عنها برجّ الأرض ثم أكد شدتها بتنكير قوله { رجاً } أي رجاً لا يوصف شدته. والجملة بدل أو بيان لقوله { إذا وقعت الواقعة }. قوله تعالى { وبُسَّت الجبال بَسّاً فكانت هباء منبثاً } عطف على { رجَّت } والبسّ الفتّ وهو عود الجسم بدق ونحوه أجزاء صغاراً متلاشية كالدقيق، وقيل البس هو التسيير فهو في معنى قولهوسُيِّرت الجبال } النبأ 20. وقوله { فكانت هباء منبثاً } الهباء قيل هو الغبار وقيل هو الذرَّة من الغبار الظاهر في شعاع الشمس الداخل من كوَّة، والانبثات التفرق، والمعنى ظاهر. قوله تعالى { وكنتم أزواجاً ثلاثة } الزوج بمعنى الصنف والخطاب لعامة البشر. قوله تعالى { فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة } متفرع على ما قبلها تفرع البيان على المبيّن، فهذه الآية والآيتان بعدها بيان للأزواج الثلاثة. والميمنة من اليمن مقابل الشؤم، فأصحاب الميمنة أصحاب السعادة واليمن مقابل أصحاب المشأمة أصحاب الشقاء والشؤم، وما قيل إن المراد بالميمنة اليمين، أي ناحية اليمين لأنهم يؤتون كتابهم بيمينهم وغيرهم يؤتونه بشمالهم يردّه مقابلة أصحاب الميمنة بأصحاب المشأمة، ولو كان كما قيل لقيل أصحاب الشمال وهو ظاهر.

السابقالتالي
2 3