الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } * { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } * { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } * { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }

بيان مختتم السورة وفيه إرجاع الكلام إلى ما في مفتتحها من إنكارهم للبعث الموعود ومقابلتهم الرسالة بقول مختلف ثم إيعادهم باليوم الموعود. قوله تعالى { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون } أي الأمر كذلك، فقوله { كذلك } كالتلخيص لما تقدم من إنكارهم واختلافهم في القول. وقوله { ما أتى الذين من قبلهم } الخ، بيان للمشبّه. قوله تعالى { أتواصوا به بل هم قوم طاغون } التواصي إيصاء القوم بعضهم بعضاً بأمر، وضمير { به } للقول، والاستفهام للتعجيب، والمعنى هل وصّى بعض هذه الأمم بعضاً - هل السابق وصّى اللاحق؟ - على هذا القول؟ لا بل هم قوم طاغون يدعوهم إلى هذا القول طغيانهم. قوله تعالى { فتولَّ عنهم فما أنت بملوم } تفريع على طغيانهم واستكبارهم وإصرارهم على العناد واللجاج، فالمعنى فإذا كان كذلك ولم يجيبوا إلا بمثل قولهم ساحر أو مجنون ولم يزدهم دعوتك إلا عناداً فأعرض عنهم ولا تجادلهم على الحق فما أنت بملوم فقد أريت المحجة وأتممت الحجة. قوله تعالى { وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } تفريع على الأمر بالتولي عنهم فهو أمر بالتذكير بعد النهي عن الجدال معهم، والمعنى واستمرّ على التذكير والعظة فذكِّر كما كنت تذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين بخلاف الاحتجاج والجدال مع أولئك الطاغين فإنه لا ينفعهم شيئاً ولا يزيدهم إلا طغياناً وكفراً. قوله تعالى { وما خلقت الجنَّ والإِنس إلا ليعبدون } فيه التفات من سياق التكلم بالغير إلى التكلم وحده لأن الأفعال المذكورة سابقاً المنسوبة إليه تعالى كالخلق وإرسال الرسل وإنزال العذاب كل ذلك مما يقبل توسيط الوسائط كالملائكة وسائر الأسباب بخلاف الغرض من الخلق والإِيجاد فإنه أمر يختص بالله سبحانه لا يشاركه فيه أحد. وقوله { إلا ليعبدون } استثناء من النفي لا ريب في ظهوره في أن للخلقة غرضاً وأن الغرض العبادة بمعنى كونهم عابدين لله لا كونه معبوداً فقد قال ليعبدون ولم يقل لأُِعبَد أو لأكون معبوداً لهم. على أن الغرض كيفما كان أمر يستكمل به صاحب الغرض ويرتفع به حاجته والله سبحانه لا نقص فيه ولا حاجة له حتى يستكمل به ويرتفع به حاجته، ومن جهة اخرى الفعل الذي لا ينتهي إلى غرض لفاعله لغو سفهي ويستنتج منه أن له سبحانه في فعله غرضاً هو ذاته لا غرض خارج منه، وأن لفعله غرضاً يعود إلى نفس الفعل وهو كمال للفعل لا لفاعله، فالعبادة غرض لخلقة الإِنسان وكمال عائد إليه هي وما يتبعها من الآثار كالرحمة والمغفرة وغير ذلك، ولو كان للعبادة غرض كالمعرفة الحاصلة بها والخلوص لله كان هو الغرض الأقصى والعبادة غرضاً متوسطاً. فإن قلت ما ذكرته من حمل اللام في { ليعبدون } على الغرض يعارضه قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5