الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } * { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } * { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } * { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } * { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } * { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } * { وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } * { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } * { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ } * { قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } * { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } * { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } * { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } * { مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } * { ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ }

بيان الآية الأولى متممة لما أورده في الآيات السابقة من الحجة على علمه وقدرته بما خلق السماء والأرض وما فيهما من خلق ودبَّر ذلك أكمل التدبير وأتمَّه وذلك كله هو الخلق الأول والنشأة الأولى. فتممَّ ذلك بقوله { أفعيينا بالخلق الأول } واستنتج منه أن القادر على الخلق الأول العالم به قادر على خلق جديد ونشأة ثانية وعالم به لأنهما مثلان إذا جاز له خلق أحدهما جاز خلق الآخر وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن. ثم أضرب عنه أنهم في التباس من خلق جديد مع مماثلة الخلقين ثم أشار إلى نشأة الإِنسان أول مرة وهو يعلم منه حتى خطرات قلبه وعليه رقباؤه يراقبونه أدق المراقبة ثم يجيئه سكرة الموت بالحق ثم البعث ثم دخول الجنة أو النار ثم أشار ثانياً إلى ما حلَّ بالقرون الماضية المكذبة من السخط الإِلهي وعذاب الاستئصال وهم أشد بطشاً من هؤلاء فمن جازاهم بالهلاك قادر على أن يجازي هؤلاء. قوله تعالى { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد } العيّ عجز يلحق من تولى الأمر والكلام كذا، قال الراغب يقال أعياني كذا وعييت بكذا أي عجزت عنه والخلق الأول خلق هذه النشأة الطبيعية بنظامها الجاري ومنها الإِنسان في حياته الدنيا فلا وجه لقصر الخلق الأول في خلق السماء والأرض فقط كما مال إليه الرازي في التفسير الكبير ولا لقصره في خلق الإِنسان كما مال إليه بعضهم وذلك لأن الخلق الجديد يشمل السماء والأرض والإِنسان جميعاً كما قال تعالىيوم تُبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار } إبراهيم 48. والخلق الجديد خلق النشأة الثانية وهي النشأة الآخرة، والاستفهام للإِنكار. والمعنى أعجزنا عن الخلق الأول حتى نعجز عن الخلق الجديد؟ أي لم نعجز عن الخلق الأول وهو إبداؤه فلا نعجز عن الخلق الجديد وهو إعادته. ولو أُخذ العيّ بمعنى التعب كما مال إليه بعضهم كان المعنى هل تعبنا بسبب الخلق الأول حتى يتعذر أو يتعسَّر علينا الخلق الجديد؟ وذلك كما أن الإِنسان وسائر الحيوان إذا أتى بشيء من الفعل وأكثر منه انتهى به إلى التعب البدني فيكفّه ذلك عن الفعل بعد، فما لم يأت به من الفعل لكونه تعبان مثل ما أتى لكنه لا يؤتى به لأن الفاعل لا يستطيعه لتعبه وإن كان الفعل جائزاً متشابه الأمثال. وهذا معنى لا بأس به لكن قيل إن استعمال العيّ بمعنى العجز أفصح. على أن سوق الحجة من طريق العجز يفيد استحالة الإِتيان ونفيها هو المطلوب بخلاف سوقها من طريق التعب فإنه يفيد تعسّره دون استحالة الإِتيان ومراد النافين للمعاد استحالته دون تعسره هذا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد