الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

بيان الآيات متلائمة سياقاً فكأنها نزلت دفعة أو هي متقاربة نزولاً، والآية الأخيرة بمنزلة دفع الدخل على ما سنبينه تفصيلاً، فهي جميعاً تتعرض لحال الخمر، وبعضها يضيف إليها الميسر والأنصاب والأزلام. وقد تقدم في قوله تعالىيسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } البقرة 219، في الجزء الأول، وفي قوله تعالىيا أيُّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } النساء 43، في الجزء الرابع من هذا الكتاب، ان هاتين الآيتين مع قوله تعالىقل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإِثم } الأعراف 33، وهذه الآية المبحوث عنها { يا أيُّها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } إذا انضم بعضها إلى بعض دلَّت سياقاتها المختلفة على تدرج الشارع في تحريم الخمر. لكن لا بمعنى السلوك التدريجي في تحريمها من تنزيه وإعافة إلى كراهية إلى تحريم صريح حتى ينتج معنى النسخ، أو من إبهام في البيان إلى إيضاح أو كناية خفية إلى تصريح لمصلحة السياسة الدينية في إجراء الأحكام الشرعية فإن قوله تعالى { والإِثم } آية مكية في سورة الأعراف إذا انضم إلى قوله تعالى { قل فيهما إثم كبير } وهي آية مدنية واقعة في سورة البقرة أول سورة مفصلة نزلت بعد الهجرة أنتج ذلك حرمة الخمر إنتاجاً صريحاً لا يدع عذراً لمعتذر، ولا مجالاً لمتأول. بل بمعنى أن الآيات تدرجت في النهي عنها بالتحريم على وجه عام وذلك قوله تعالى { والإِثم } ثم بالتحريم الخاص في صورة النصيحة وذلك قوله { قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } ، وقوله { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } إن كانت الآية ناظرة إلى سكر الخمر لا إلى سكر النوم، ثم بالتحريم الخاص بالتشديد البالغ الذي يدل عليه قوله { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } الآيتان. فهذه الآيات آخر ما نزل في تحريم الخمر يدل على ذلك أقسام التأكيد المودعة فيها من { إنما } والتسمية بالرجس، ونسبته إلى عمل الشيطان، والأمر الصريح بالاجتناب، وتوقع الفلاح فيه، وبيان المفاسد التي تترتب على شربها، والاستفهام عن الانتهاء، ثم الأمر بطاعة الله ورسوله والتحذير عن المخالفة، والاستغناء عنهم لو خالفوا. ويدل على ذلك بعض الدلالة أيضاً قوله تعالى في ذيل الآيات { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الخ بما سيأتي من الإِيضاح. قوله تعالى { يا أيُّها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } إلى آخر الآية، قد تقدم الكلام في أول السورة في معنى الخمر والميسر والأنصاب والأزلام فالخمر ما يخمر العقل من كل مائع مسكر عمل بالتخمير، والميسر هو القمار مطلقاً، والأنصاب هي الأصنام أو الحجارة التي كانت تنصب لذبح القرابين عليها وكانت تحترم ويتبرك بها، والأزلام هي الأقداح التي كانت يستقسم بها، وربما كانت تطلق على السهام التي كانت يتفاءل بها عند ابتداء الأمور والعزيمة عليها كالخروج إلى سفر ونحوه لكن اللفظ قد وقع في أول السورة بالمعنى الأول لوقوعه بين محرمات الأكل فيتأيد بذلك كون المراد به ها هُنا هو ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد