الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

بيان الآيات الثلاثة وعدة من الآيات الواقعة بعدها إلى بضع ومائة من آيات السورة آيات مبينة لعدة من فروع الأحكام، وهي جميعاً كالمتخللة بين الآيات المتعرضة لقصص المسيح عليه السلام والنصارى، وهي لكونها طوائف متفرقة نازلة في أحكام متنوعة كل منها ذات استقلال وتمام في ما تقصده من المعنى يشكل القضاء بكونها نزلت دفعة أو صاحبت بقية آيات السورة في النزول إذ لا شاهد يشهد بذلك من مضامينها، وأما ما ورد من أسباب النزول فسيأتي بعض ما هو العمدة منها في البحث الروائي. وكذلك القول في هذه الآيات الثلاث المبحوث عنها فإن الآية الثالثة مستقلة في معناها، وتستقل عنها الآية الأولى وإن لم تخلو من نوع من المناسبة فبينهما بعض الارتباط من جهة أن من جملة مصاديق لغو اليمين أن تتعلق بتحريم بعض الطيبات مما أحله الله تعالى، ولعلَّ هذا هو الداعي لمن نقل عنه في أسباب النزول أنه ذكر نزول الآيات جميعاً في اليمين اللاغية. هذا حال الآية الأولى مع الثالثة، وأما الآية الثانية فكأنها من تمام الآية الأولى كما يشهد به بعض الشهادة ذيلها أعني قوله تعالى { واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } بل وصدرها حيث يشتمل على العطف، وعلى الأمر بأكل الحلال الطيّب الذي تنهى الآية الأولى عن تحريمه واجتنابه، وبذلك تلتئم الآيتان معنى وتتحدان حكماً ذواتي سياق واحد. قوله تعالى { يا أيُّها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحلَّ الله لكم } ، قال الراغب في المفردات الحرام الممنوع منه إما بتسخير إلهي، وإما بمنع قهري، وإما بمنع من جهة العقل أو جهة الشرع أو من جهة من يرتسم أمره، انتهى موضع الحاجة. وقال أيضاً أصل الحل حل العقدة، ومنه قوله عز وجل { واحلل عقدة من لساني } ، وحللت نزلت، أصله من حل الأحمال عند النزول ثم جرد استعماله للنزول فقيل حل حلولاً وأحله غيره، قال عز وجل { أوتحل قريباً من دارهم } { وأحلوا قومهم دار البوار } ، ويقال حل الدين وجب أداؤه، والحلة القوم النازلون وحي حلال مثله، والمحلة مكان النزول، وعن حل العقدة استعير قولهم حل الشيء حلاً قال الله تعالى { وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً } ، وقال تعالى { هذا حلال وهذا حرام } ، انتهى. فالظاهر أن مقابلة الحل الحرمة، وكذا التقابل بين الحل والحرم أو الإِحرام من جهة تخيل العقد في المنع الذي هو معنى الحرمة وغيرها ثم مقابلته بالحل المستعار لمعنى الجواز والإِباحة، واللفظان أعني الحل والحرمة من الحقائق العرفية قبل الإِسلام دون الشرعية أو المتشرعية. والآية أعني قوله { يا أيُّها الذين آمنوا لا تحرموا } الخ، تنهى المؤمنين عن تحريم ما أحل الله لهم، وتحريم ما أحل الله هو جعله حراماً كما جعله الله تعالى حلالاً وذلك إما بتشريع قبال تشريع، وإما بالمنع أو الامتناع بأن يترك شيئاً من المحللات بالامتناع عن إتيانه أو منع نفسه أو غيره من ذلك فإن ذلك كله تحريم ومنع ومنازعة لله سبحانه في سلطانه واعتداء عليه ينافي الإِيمان بالله وآياته، ولذلك صدَّر النهي بقوله { يا أيُّها الذين آمنوا } ، فإن المعنى لا تحرموا ما أحل الله لكم وقد آمنتم به وسلمتم لأمره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8