الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } * { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } * { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } * { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } * { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } * { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ }

بيان الآيات تنهى عن اتخاذ المستهزئين بالله وآياته من أهل الكتاب والكفار أولياء وتعد أموراً من مساوي صفاتهم ونقضهم مواثيق الله وعهوده وما يلحق بها بما يناسب غرض السورة الحث على حفظ العهود والمواثيق وذم نقضها. وكأنها ذات سياق متصل واحد وإن كان من الجائز أن يكون لبعض أجزائها سبب مستقل من حيث النزول. قوله تعالى { يا أيُّها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم } " الخ " ، قال الراغب الهزؤ مزح في خفية، وقد يقال لما هو كالمزح انتهى، وقال ولعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصداً صحيحاً، يلعب لعباً، انتهى، وإنما يتخذ الشيء هزؤاً ويستهزأ به إذا اتخذ به على وصف لا يعتنى بأمره اعتناء جد لإِظهار أنه مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، وكذا الشيء يلعب به إذا كان مما لا يتخذ لواحد من الأغراض الصحيحة العقلائية إلاَّ أن يتخذ لبعض الشؤون غير الحقيقية فالهزؤ بالدين واللعب به إنما هما لإِظهار أنه لا يعدل إلاَّ بعض الأغراض الباطلة غير الصحيحة وغير الجدية، ولو قدروه ديناً حقاً أو قدروا أن مشرعه والداعي إليه والمؤمنين به ذووا أقدام جد وصدق، واحترموا له ولهم مكانهم لما وضعوه ذاك الموضع فاتخاذهم الدين هزؤاً ولعباً قضاءٌ منهم بأن ليس له من الواقعية والمكانة الحقيقية شيء إلاَّ أن يؤخذ به ليمزح به أو ليلعب به لعباً. ومن هنا يظهر أولاً أن ذكر اتخاذهم الدين هزؤاً ولعباً في وصف من نهى عن ولايتهم إنما هو للإِشارة إلى علة النهي فإن الولاية التي من لوازمها الامتزاج الروحي والتصرف في الشؤون النفسية والاجتماعية لا يلائم استهزاء الولي ولعبة بما يقدسه وليه ويحترمه ويراه أعز من كل شيء حتى من نفسه فمن الواجب أن لا يتخذ من هذا شأنه ولياً، ولا يلقي أزمة التصرف في الروح والجسم إليه. وثانياً ما في اتخاذ وصف الإِيمان في الخطاب في قوله { يا أيُّها الذين آمنوا } من المناسبة لمقابلته بقوله { الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً } وكذلك ما في إضافة الدين إليهم في قوله { دينكم }. وثالثاً أن قوله { واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } بمنزلة التأكيد لقوله { لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً } الخ، بتكراره بلفظ أعم وأشمل فإن المؤمن وهو الآخذ بعروة الإِيمان لا معنى لأن يرضى بالهزء واللعب بما آمن به فهؤلاء إن كانوا متلبسين بالإِيمان - أي كان الدين لهم ديناً - لم يكن لهم بد من تقوى الله في أمرهم أي عدم اتخاذهم أولياء. ومن المحتمل أن يكون قوله { واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } إشارة إلى ما ذكره تعالى من نحو قوله قبيل آيات { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } والمعنى واتقوا الله في اتخاذهم أولياء إن لم تكونوا منهم، والمعنى الأول لعله أظهر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد