الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

بيان السير الإِجمالي في هذه الآيات يوجب التوقف في اتصال هذه الآيات بما قبلها، وكذا في اتصال ما بعدها كقوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله } إلى آخر الآيتين ثم اتصال قوله بعدهما { يا أيُّها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً } إلى تمام عدة آيات ثم في اتصال قوله { يا أيها الرسول بلغ } الآية. أما هذه الآيات الأربع فإنها تذكر اليهود والنصارى، والقرآن لم يكن ليذكر أمرهم في آياته المكية لعدم مسيس الحاجة إليه يومئذٍ بل إنما يتعرض لحالهم في المدينة من الآيات، ولا فيما نزلت منها في أوائل الهجرة فإن المسلمين إنما كانوا مبتلين يومئذٍ بمخالطة اليهود ومعاشرتهم أو موادعتهم أو دفع كيدهم ومكرهم خاصة دون النصارى إلاَّ في النصف الأخير من زمن إقامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة فلعلَّ الآيات الأربع نزلت فيه، ولعلَّ المراد بالفتح فيها فتح مكة. لكن تقدم أن الاعتماد على نزول سورة المائدة في سنة حجة الوداع وقد فتحت مكة فهل المراد بالفتح فتح آخر غير فتح مكة؟ أو أن هذه الآيات نزلت قبل فتح مكة وقبل نزول السورة جميعاً؟. ثم إن الآية الأخيرة أعني قوله { يا أيُّها الذين آمنوا من يرتد منكم } الآية هل هي متصلة بالآيات الثلاث المتقدمة عليها؟ ومن المراد بهؤلاء القوم الذين تتوقع ردتهم؟ ومن هؤلاء الآخرون الذين وعد الله أنه سيأتي بهم؟ كل واحد منها أمر يزيد إبهاماً على إبهام، وقد تشتت ما ورد من أسباب النزول وليست إلاَّ أنظار المفسرين من السلف كغالب أسباب النزول المنقولة في الآيات، وهذا الاختلاف الفاحش أيضاً مما يشوش الذهن في تفهم المعنى، أضف إلى ذلك كله مخالطة التعصبات المذهبية الأنظار القاضية فيها كما سيمر بك شواهد تشهد على ذلك من الروايات وأقوال المفسرين من السلف والخلف. والذي يعطيه التدبر في الآيات أن هذه الآيات الأربع على ما نقلناها متصلة الأجزاء منقطعة عمّا قبلها وما بعدها، وأن الآية الرابعة من متممات الغرض المقصود بيانه فيها غير أنه يجب التحرز في فهم معناها عن المساهلات والمسامحات التي جوزتها أنظار الباحثين من المفسرين في الآيات وخاصة فيما ذكر فيها من الأوصاف والنعوت على ما سيجيء. وإجمال ما يتحصل من الآيات أن الله سبحانه يحذر المؤمنين فيها اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، ويهددهم في ذلك أشد التهديد، ويشير في ملحمة قرآنية إلى ما يؤول إليه أمر هذه الموالاة من انهدام بنية السيرة الدينية، وأن الله سيبعث قوماً يقومون بالأمر، ويعيدون بينة الدين إلى عمارتها الأصلية. قوله تعالى { يا أيُّها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } قال في المجمع الاتخاذ هو الاعتماد على الشيء لإِعداده لأمر، وهو افتعال من الأخذ، وأصله الائتخاذ فأبدلت الهمزة تاء، وأدغمتها في التاء التي بعدها ومثله الاتعاد من الوعد، والأخذ يكون على وجوه تقول أخذ الكتاب إذا تناوله، وأخذ القربان إذا تقبله، وأخذه الله من مأمنه إذا أهلكه، وأصله جواز الشيء من جهة إلى جهة من الجهات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد