الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

بيان قوله تعالى { يسألونك ماذا أُحل لهم قل أُحل لكم الطيبات } سؤال مطلق أُجيب عنه بجواب عام مطلق فيه إعطاء الضابط الكلي الذي يميز الحلال من الحرام، وهو أن يكون ما يقصد التصرف فيه بما يعهد في مثله من التصرفات أمراً طيباً، وإطلاق الطيب أيضاً من غير تقييده بشيء يوجب أن يكون المعتبر في تشخيص طيبه استطابة الأفهام المتعارفة ذلك فما يستطاب عند الأفهام العادية فهو طيب، وجميع ما هو طيب حلال. وإنما نزلنا الحلية والطيب على المتعارف المعهود لمكان أن الإطلاق لا يشمل غيره على ما بين في فن الأصول. قوله تعالى { وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه } قيل إن الكلام معطوف على موضع الطيبات أي وأُحل لكم ما علمتم من الجوارح أي صيد ما علمتم من الجوارح، فالكلام بتقدير مضاف محذوف اختصاراً لدلالة السياق عليه. والظاهر أن الجملة معطوفة على موضع الجملة الأولى. و { ما } في قوله { وما علمتم } شرطية وجزاؤها قوله { فكلوا مما أمسكن عليكم } من غير حاجة إلى تكلف التقدير. والجوارح جمع جارحة وهي التي تكسب الصيد من الطير والسباع كالصقر والبازي والكلاب والفهود، وقوله { مكلبين } حال، وأصل التكليب تعليم الكلاب وتربيتها للصيد أو اتخاذ كلاب الصيد وإرسالها لذلك، وتقييد الجملة بالتكليب لا يخلو من دلالة على كون الحكم مختصاً بكلب الصيد لا يعدوه إلى غيره من الجوارح. وقوله { مما أمسكن عليكم } التقييد بالظرف للدلالة على أن الحل محدود بصورة صيدها لصاحبها لا لنفسها. وقوله { واذكروا اسم الله عليه } تتميم لشرائط الحل وأن يكون الصيد مع كونه مصطاداً بالجوارح ومن طريق التكليب والإمساك على الصائد مذكوراً عليه اسم الله تعالى. ومحصل المعنى أن الجوارح المعلمة بالتكليب - أي كلاب الصيد - إذا كانت معلمة واصطادت لكم شيئاً من الوحش الذي يحل أكله بالتذكية وقد سميتم عليه فكلوا منه إذا قتلته دون أن تصلوا إليه فذلك تذكية له، وأما دون القتل فالتذكية بالذبح والإهلال به لله يغني عن هذا الحكم. ثم ذيل الكلام بقوله { واتقوا الله إن الله سريع الحساب } إشعاراً بلزوم اتقاء الله فيه حتى لا يكون الاصطياد إسرافاً في القتل، ولا عن تله وتجبر كما في صيد اللهو ونحوه فإن الله سريع الحساب يجازي سيئة الظلم والعدوان في الدنيا قبل الآخرة، ولا يسلك أمثال هذه المظالم والعدوانات بالاغتيال والفتك بالحيوان العجم إلاَّ إلى عاقبة سوآى على ما شاهدنا كثيراً. قوله تعالى { اليوم أُحل لكم الطيبات وطعام الذين أُوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } إعادة ذكر حل الطيبات مع ذكره في الآية السابقة، وتصديره بقوله { اليوم } للدلالة على الامتنان منه تعالى على المؤمنين بإحلال طعام أهل الكتاب والمحصنات من نسائهم للمؤمنين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد