الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

بيان الآيات غير خالية الارتباط بما قبلها، فان ما تقدمها من قصة قتل ابن آدم أخاه وما كتبه الله سبحانه على بني إسرائيل من أجله، وإن كان من تتمة الكلام على بني إسرائيل وبيان حالهم من غير أن يشتمل على حد أو حكم بالمطابقة لكنها لا تخلو بحسب لازم مضمونها من مناسبة مع هذه الآيات المتعرضة لحد المفسدين في الأرض والسراق. قوله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً }. { فساداً } مصدر وضع موضع الحال، ومحاربة الله وإن كانت بعد استحالة معناها الحقيقي وتعين إرادة المعنى المجازي منها ذات معنى وسيع يصدق على مخالفة كل حكم من الأحكام الشرعية وكل ظلم وإسراف لكن ضم الرسول إليه يهدي إلى أن المراد بها بعض ما للرسول فيه دخل، فيكون كالمتعين أن يراد بها ما يرجع إلى إبطال أثر ما للرسول عليه ولاية من جانب الله سبحانه كمحاربة الكفار مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإخلال قطاع الطريق بالأمن العام الذي بسطه بولايته على الأرض، وتعقب الجملة بقوله { ويسعون في الأرض فساداً } يشخص المعنى المراد وهو الافساد في الأرض بالإِخلال بالأمن وقطع الطريق دون مطلق المحاربة مع المسلمين، على أن الضرورة قاضية بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعامل المحاربين من الكفار بعد الظهور عليهم والظفر بهم هذه المعاملة من القتل والصلب والمثلة والنفي. على أن الاستثناء في الآية التالية قرينة على كون المراد بالمحاربة هو الإِفساد المذكور فإنه ظاهر في أن التوبة إنما هي من المحاربة دون الشرك ونحوه. فالمراد بالمحاربة والإِفساد على ما هو الظاهر هو الإِخلال بالأمن العام، والأمن العام إنما يختل بإيجاد الخوف العام وحلوله محله، ولا يكون بحسب الطبع والعادة إلاَّ باستعمال السلاح المهدد بالقتل طبعاً ولهذا ورد فيما ورد من السنة تفسير الفساد في الأرض بشهر السيف ونحوه، وسيجيء في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى. قوله تعالى { أن يقتلوا أو يصلبوا } الخ التقتيل والتصليب والتقطيع تفعيل من القتل والصلب والقطع يفيد شدة في معنى المجرد أو زيادة فيه، ولفظة " أو " إنما تدل على الترديد المقابل للجمع، وأما الترتيب أو التخيير بين أطراف الترديد فإنما يستفاد أحدهما من قرينة خارجية حالية أو مقالية فالآية غير خالية عن الإِجمال من هذه الجهة. وإنما تبينها السنة وسيجيء أن المروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أن الحدود الأربعة مترتبة بحسب درجات الإِفساد كمن شهر سيفاً فقتل النفس وأخذ المال أو قتل فقط أو أخذ المال فقط أو شهر سيفاً فقط على ما سيأتي في البحث الروائي التالي إن شاء الله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10